فى مراحل الحياة ستجد نفسك فى توقيت معين تميل للماضى بشخوصه حتى إذا كنت لم تعايش هذا الماضى وأحداثه لكن دون أن تدرى ستجد نفسك فجأة بداخله ربما لأن الماضى دوماً أقل صخباً وضجيجاً من الحاضر وربما لأن ما حفظ لنا من الماضى لم يكن إلا صورة وردية لما دار فيه تجعلنا أكثر تعلقاً به وإرتباطاً بتفاصيله . وسط هذه الحالة من الحنين للماضى وجدتنى داخل العرض المسرحى « أم كلثوم ..دايبين فى صوت الست « الذى نجح من خلاله المنتج مدحت العدل فى اكتشاف مجموعة من المواهب الشابة أبدعت فى إعادتنا للماضى ومعايشة أحداثه وكأننا جزء منها من خلال صورة مسرحية أبدع فى تقديمها المخرج أحمد فؤاد وسط حالة من الإبهار لعبتها عناصر الصوت والإضاءة والديكور كذلك الملابس التى نجحت فى نقل المشاهد إلى الحقب الزمنية التى شهدت ميلاد كوكب الشرق ومراحلها العمرية حتى رحيلها .
عظمة العرض المسرحى لم تكن فى أحداثه فحسب ولكن فى الأجواء التى عايشها المتفرج منذ اللحظات الأولى لدخول مكان العرض حيث تم تصميم مجموعة من المجسمات عبرت عن المراحل العمرية المختلفة لكوكب الشرق وكأنها جاءت لاستقبالك عبر أزمنة مختلفة هذا بخلاف الديكورات التى ستجد نفسك معها فى قلب الخمسينيات ومنها ستعبر للستينيات حتى تجد نفسك وسط أحداث السبعينيات بحالة الانتصار التى عايشتها مصر مروراً بالشخصيات التى صنعت تاريخ أم كلثوم بداية من الشيخ أبو العلا محمد مروراً بأحمد رامى والقصبجى ورياض السنباطى وعبد الوهاب محمد وبليغ حمدى حتى كان التعاون التى أنهى حالة الصراع الفنى بينها وبين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب .
ومع دخولك المسرح وسط جمهور مختلف أحب الفن وذاب عشقاً فى صوت الست ستجد نفسك وسط أحداث المسرحية بطلاً من أبطالها وأنت تتابع تلك الصور الغنائية التى عبرت بإقتدار عن تفاصيل حياة أم كلثوم وعلاقتها بغيرها من الفنانين وكيف كانت سبباً فى خفوت نجم منيرة المهدية بل نهايتها وحالة الغيرة الفنية بينها وبين محمد عبد الوهاب وكيف وقع أحمد رامى أسيراً فى حبها وحالة الولع التى عاشها محمد القصبجى حتى أنه قبل على نفسه أن يتحول من ملحن لمجرد عازف لألحان غيره ليظل بجوارها فى حالة عشق جعلته أسيراً فى محراب الست .
ومع هذه الصور التى قدمت لنا أم كلثوم بالمرأة التى داست على الجميع حتى قلبها من أجل بقاء صوتها الأول عبر فترات زمنية متتالية يأتى دورها الوطنى بعد نكسة 67 بصورة مغايرة تعيدك إلى تلك الإنسانة التى طوعت فنها لمساندة جيش بلدها من خلال الحفلات التى جابت بها العالم وتبرعت بإيرادها لدعم المجهود الحربى لإعادة تسليح الجيش حتى كان له النصر فى حرب 73 فى صورة تجعلك تشعر بعظمة الفن فى خدمة السياسة .
تلك الأحداث التى تشكل جزءاً من تاريخ مصر لم يكن لصناع العمل التعبير عنها ونقلها للمتفرج إلا من خلال ما دونته مانشتات الصحف فى تلك الحقبة التاريخية المهمة لتتصدر صحيفة المساء الصادرة عن مؤسسة دار التحرير المشهد وهى تنقل لنا أسرار ما عايشته مصر فى تلك السنوات ليخلق الأمر بداخلى حالة من الحزن .