أنا مش أى مواطن… أنا أرى نفسى «مواطن سوبر»!.. يعنى النسخة المطورة من المواطن الشريف: أدفع تذكرتى من غير نقاش، ألتزم بالدور للحصول على تذكرتى ، أقول «بعد إذنك» و«تفضل»، وأعتبر الوقوف فى الطابور بطولة قومية. لا أركب عربة السيدات، ولا أجلس فى المكان المخصص لكبار السن ولا أمد يدى لأحد، بل أمد ظهرى للزحام وأبتسم كأننى فى إعلان عن الأخلاق. لكن واضح أن الالتزام هذه الايام اصبح تهمة، وأن المواطن المحترم يُعامل ككائن انقرض ولم يبقَ منه سوى عينة محفوظة داخل عربة مترو الخط الأول.
أهلاً بكم فى «الخط العتيق» ــ حلوان ــ المرج ــ متحف النقل العام المصرى. الخط الذى تجاوز الأربعين عامًا وما زال يُصر على البقاء رغم كل محاولات الإهمال لتصفيته بالملل. عرق، ضوضاء، وباعة جائلون بعدد الركاب. اهلا بكم فى كل عربة تتحول إلى مول متنقل، ومهرجان أصوات يشارك فيه الجميع: بائع، مسوق سماعات، ومتسول يختتم الفقرة بالدعاء على الزمن.
الغريب والمدهش ان الكل يعرف ما الذى يحدث ،ثم يطل علينا مسئول المترو مبتسما فى مداخلة تلفزيونية بشموخ علمى، ليعلن أن «المشكلة فى غياب الكاميرات داخل عربات الخط الأول»! فعلاً عبقرية نادرة.. وتركيبها ينهى الظاهرة البشعة ؛ لأن البائع بالتأكيد سيخجل من الكاميرا، والمتسول سيعتذر لها قبل أن يبدأ جولته. يا سيدى، لو كانت الكاميرات تحل المشاكل، كنا ركبنا كاميرا فى دماغ كل موظف فاسد وارتاحنا!
المشكلة ليست فى الكاميرات، المشكلة فى «العمى الإدارى» لبعض الموظفين الذى يرى كل شىء إلا الحقيقة. فى غياب النظام، وفى أن أول خط مترو فى الشرق الأوسط أصبح اليوم آخر همّ للحكومة. يا حضرات، إحنا مش طالبين مترو فيه مقاعد تدليك ولا صوت بيانو خلفى، بس عايزين نركب زى الناس ــ لا سوق، لا شحاتة، لا فوضى. عايزين نحس إن المترو وسيلة نقل مش «بازار حلوان الكبير».
حلوان يا سادة، مش حى عشوائى عابر، دى قلعة الصناعات ومصنع الرجال. ومع ذلك تُعامل كأنها «الابن الفقير للعاصمة»، اللى دايمًا آخر واحد ياكل من الصينية.
كل يوم نسمع تصريحات عن «التطوير الشامل» و«التحسين التدريجى»، لكن ما نراه هو تطوير فى الكلام فقط. الخط الأول بقى مدرسة فى الصبر الإجبارى، وشهادة يومية على أن العدالة فى المواصلات كائن خرافى يشبه «الكائنات الفضائية» الكل يتكلم عنها، ولا أحد رآها!
فيا وزارة النقل، ويا هيئة المترو، ويا من تعتقدون أن الكاميرا ستحل المشكلة : نريد مترو يحترم الإنسان، لا يعامله كسلعة فى مزاد أو كظل فى مشهد مزدحم.
أعدكم انى مستمر معكم حتى يتحسن حال المترو وتختفى تلك المهازل أو اشترى سيارة بمليون جنيه اذهب بها الى اعمالى واعين لها سائقا محترفا لانى لا ارغب فى القيادة.
وأختم حديثى الثانى معكم من قلب الخط الأول وبكل السخرية الممكنة:
أنا مواطن درجة أولي… وسوبر كمان، ومستمر معكم حتى تتحسن الأحوال.