بداية لابد من الاعتراف علنا بقدرة القيادة السياسية المصرية على إدارة الملفات الصعبة بحكمة وصبر وبرؤية بعيدة المدى من خلال العديد من السيناريوهات المحتملة والعمل على أسوأها باتخاذ كافة الإجراءات والخطط للتعامل مع هذا الاسوأ، بما يحقق ويحفظ الأمن والاستقرار للدولة المصرية وشعبها، ولنا فى هذا الرأى موقفان أولهما ملف غزة وثانيهما ملف السد الإثيوبى ولتكن البداية ملف غزة حيث كشفت الأيام الأخيرة قبل، وبعد توقيع ما يعرف باتفاق غزة فى قمة شرم الشيخ للسلام برئاسة مشتركة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس دونالد ترامب ان هناك تحولاً جذريًا فى المشهد الإقليمى والدولي، حيث تدخل المنطقة فى مرحلة «ما بعد الحرب» و»ما بعد الفوضي»، بمعنى آخر بداية تأسيس نظام إقليمى جديد تقوده القاهرة وواشنطن معًا واستعادة مصر لموقعها المركزى كقلب التوازن الإقليمى وصانعة السلام، كما يمثل امتداداً مباشراً لدورها التاريخى منذ كامب ديفيد، حيث ظهر كما يرى المراقبون لما حدث فى شرم الشيخ ونتائجه المتوقعة ان هناك ولادة لمحور إستراتيجى جديد «مصر وأمريكا وقطر وأوروبا» يشكّل نواة النظام الإقليمى القادم، وإذا نظر إلى قائمة القادة المشاركين فى القمة سوف تُظهر خريطة تحالف دولى وعربى جديدة، تضع أسس نظام شرق أوسطى جديد بعد عقود من الانقسام.
بمعنى آخر هو وضع خطوط التحالف الجديد الذى يقود الشرق الأوسط فى مرحلة ما بعد غزة ممثلة فى وجود مصر القيادة السياسية والميدانية والضامن الأساسى للاتفاق وإدارة معبر رفح، وأمريكا «ترامب» الراعى الدولى وصانع اللقطة التاريخية المحرك الدبلوماسى والإعلامي،علاوة على وجود قطر وتركيا وسطاء تمويل واتصال غير مباشر مع الفصائل الفلسطينية، ويبقى نقطة مهمة تؤكد قدرة الرئيس السيسى على نجاحه فى إدارة الملف بذكاء شديد حيث كان وجود الاتحاد الأوروبى «فرنسا وألمانيا وإيطاليا» يمثل دعمًا سياسيًا ومشاركة رمزية فى حفظ الاستقرار وتمويل الإعمار، بالإضافة إلى وجود دول إسلامية فى قمه أعطى عمقًا وزخمًا كبيرًا للقضية الفلسطينية، وإعادة تدويلها والاستفادة من الاعترافات الدولية بها بما يخدم مصالح الشعب الفلسطينى والأمن الإقليمى للمنطقة.
اتضح ذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية الفرنسى إلى وجوب إعطاء غطاء دولى لهذا الاتفاق، ولمشاركة قوات دولية فى مراقبة تنفيذه.
إذن يمكن القول بان مصر انتقلت من وسيط إلى قائد فعلى لمسار السلام، وأمريكا انتقلت من راعٍ بعيد إلى شريك مباشر بفضل ترامب، يضاف إلى ذلك حالة التفكك الداخلى الواضحة داخل إسرائيل سواء داخل المجتمع أو على مستوى الصراع بين القيادة السياسية والعسكرية.
وإذا انتقلنا لملف السد الإثيوبى سوف نلاحظ ان الرئيس السيسى نجح فى تحويل «قنبلة المياه الاثيوبية» التى اطلقتها حكومة اديس أبابا إلى فرصة إيجابية «بتنفيذ العديد من المشروعات التى ساهمت فى تفتيت القنبلة المائية المتوقعة وتحويلها إلى إضافة وهذا حديث آخر بتفاصيل واقعية «طريق إتمام الملء لبحيرة السد بصورة غير منضبطة، ثم فتح المفيض الأوسط ومفيض الطوارئ لساعات معدودة لاستخدامها فقط كـ»لقطة إعلامية» واستعراض سياسى فى ما سُمّى باحتفال افتتاح السد سبتمبر الماضى ،وذلك بعيداً عن أى اعتبار للسلامة المائية أو مصالح دول المصب، مما تسبب فى حدوث اغراق العديد من المناطق بالسودان بتصريف نحو 2 مليار م3 من المياه المخزنة دون مبرر، بخلاف التصرفات الناتجة عن الفيضان نفسه، وهو ما فاقم من كميات المياه المنصرفة.
يؤكد الخبراء انه نتيجة لهذه الإدارة الأحادية وغير المسئولة للسد الإثيوبى فى تغيير مواعيد الفيضان الطبيعى «تحدث ذروته عادة فى أغسطس»،وهو ما يعنى فى تعريف الخبراء بان اثيوبيا قامت بإحداث «فيضان صناعى مفتعل» أكثر حدة وقوة فى وقت متأخر من العام «جزء من شهر سبتمبر».
كما يرى المراقبون ان تصريحات الرئيس السيسى الأخيرة لم تكن مجرد تحذير تقليدي، بل رسالة إنذار حادة للمجتمع الدولى بأن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يخرج عن السيطرة.
خاصة بعد اجتماعه مع رئيس مجلس السيادة السودانى البرهان وتناولهما مستجدات ملف مياه النيل، وتأكيد الجانبين رفضهما القاطع لأى إجراءات أحادية تُتخذ على النيل الأزرق، بما يتعارض مع أحكام القانون الدولى ذات الصلة.
خارج النص:
الحق يقول ان التحديات التى تواجه مصر ورئيسها تتطلب تعظيم التكاتف والتلاحم بين ابناء الشعب، وان ندعم بيقين لكل ما يقوم به الرئيس السيسى بعدما أعاد مكانة وقيمة مصر بلدنا إلى مكانها الحقيقى والطبيعى ومن يعترض عليه ان يراقب بحيادية خطوات القائد.