فى الموروث الشعبى المصرى مثل يقول «شاور بعصاية العز وما تضربهاش»، المثل على بساطته يحمل فى معناه وتفاصيله مبدأ استراتيجياً هاماً وهو مبدأ الردع، وهو أحد سيناريوهات المواجهة فى مسار الحروب، وقد يكون السلاح الأكثر استخداما منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى الآن، وأدوات الردع متعددة منها سياسى واقتصادى وعسكري، ولا يمتلك سلاح الردع إلا من يمتلك أدواته المختلفة سواء منفردة أو مجتمعة وقليل من يملكها كاملة.
ما يحدث فى المنطقة منذ إندلاع الحرب فى غزة وحتى هذه اللحظة يستدعى سيناريوهات متعددة منها المواجهة المباشرة أو استخدام سلاح الردع بمختلف أدواته، كل طرف يستخدم السيناريو المناسب له حسب أبعاد داخلية وخارجية ومعطيات على الأرض، وقد يكون طبقا لتحديــات وأبعـــاد الأمــن القومى له.
الأزمة فى غزة تتعدد أطرافها وتتعدد توجهاتهم وقد تختلف أيضا، طرفى المواجهة المباشرة المقاومة الفلسطينية ممثلة فى حماس وبعض الفصائل الأخرى من ناحية وكيان الاحتلال الإسرائيلى من ناحية أخري.
أطراف المواجهة غير المباشرة تتمثل فى دول الجوار والتماس فى الحدود مع الأزمة هى مصر وسوريا والأردن ولبنان.. أصعبهم موقف مصر لاعتبارات كثيرة أهمها أن الحدود مع مصر هى المنفذ الوحيد لغزة وكذلك للمحاصرين فى رفح الفلسطينية، وهذا فى حد ذاته يمثل أداة الضغط الأكثر على الموقف المصرى الذى يضعها بين شقى الرحي، مابين حرب تطهير وإبادة يقودها الاحتلال فى مواجهة مدنيين عزل ومحاولة تهجير قسرية للفلسطينيين الى سيناء كوطن بديل وفرض أمر واقع على الأرض وعلى مصر ومابين حدود وسيادة على الأرض تحتم عليها أن تكون فى وضع الاستعداد التام وعلى كل المستويات لصد أى محاولة للمساس بالحدود والسيادة التى تمثل خطاً أحمر لايمكن الاقتراب منه.
صعوبة الموقف المصرى تتمثل فى تضامن شعبى ورسمى مع المحاصرين فى رفح الفلسطينية، يتم ترجمته على الأرض فى قوافل مساعدات رسمية وشعبية تمر كلها عبر منفذ رفح الحدودى والذى للأسف يقع الان تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعيق بشكل مباشر توصيل المساعدات للمحاصرين هناك، وذلك لرفض مصر التعامل مع كيان الاحتلال فيما يخص التنسيق على المعبر، حتى لا يكون وجود إسرائيل على المعبر أمراً واقعاً على الأرض يتم فرضه من سلطة الاحتلال.
موقف مصر ثابت من القضية، لا تهجير ولا تصفية ومع الفلسطينيين حتى إقامة دولتهم المستقلة فى حدود ٤ يونيو 1967 وهذا ما يؤكده الرئيس السيسى مرارا وتكرارا، وفى كل محفل داخلى أو خارجي، ودفعت مصر كثيرا على مدار تاريخها أثماناً باهظة مقابل مواقفها تلك، ومنذ نكبة 48 وحتى الآن ومصر لا تحيد أبدا عن ثوابتها.
صعوبة الموقف المصرى أيضا تكمن فى أن الجبهة الشمالية الشرقية ليست وحدها مصدر التهديد، فى الجنوب تمثل اضطرابات السودان وعدم استقراره مصدرا آخر، إلى جانب تداعيات عدم الاستقرار فى ليبيا وتحديات الانقسام بين الأطراف السياسية هناك، وفوق كل هذا تواجه مصر أيضا تحديات اقتصادية كثيرة كلنا متابع لها ويعلم تفاصيلها وتأثيراتها التى طالت كل شئ كل هذه التحديات تمثل ضغوطا على الموقف المصرى وفى القلب منه قواته المسلحة..
القوات المسلحة كما هو معروف شريك رئيسى فى عمليات التنمية والإعمار التى تتم فى كل ربوع مصر وقبل هذا كله هى الحارس الأمين على هذ الوطن وعلى حدوده الاستراتيجية وامتداد أبعاد الأمن القومى لها، وهى أيضا الحارس الأمين على مقدرات الشعب المصرى التى تصون وتحمى وتذود عنه وعن ممتلكاته وإرادته، لأنها الكتلة الصلبة التى واجهت كل تحد وصمدت فى وجه كل اعتداء.
فى العلوم الاستراتيجية مصطلح متعارف عليه اسمه «تقدير موقف» يتم صياغته من خلال الأجهزة الأمنية إلى جانب هيئات وأجهزة الدولة الأخري، ولا شك أن مصر قادرة على صياغة وتقدير موقفها على الأرض بناء على معلومات ومعطيات حقيقية ومدروسة، وما يثبت ذلك نجاح مصر على مدار 10 سنوات مضت فى إعادة بناء القوات المسلحة بكافة أفرعها الرئيسية وتشكيلاتها القتالية وأصبحت من أقوى جيوش العالم والمنطقة مما جعلها قادرة على مواجهة تحديات المنطقة التى نعيشها اليوم بكل ثقة فى قدراتها وقواتها.. تقدير الموقف المصرى كان على قدرة كاملة لقراءة الأحداث والتنبؤ بمجريات الأمور فى المنطقة مستقبلا وكان يدرك بنسبة كبيرة ما آلت إليه الأحداث فى المنطقة فى هذه الفترة، وبناء على ما حدث كان ما نحن عليه الآن من قدرة شاملة ورشيدة، قوة تدافع لا تهاجم ولكنها فى الوقت ذاته جاهزة لكل السيناريوهات.
مصر تقف اليوم على أرض صلبة فى مواجهة رياح وعواصف تهدد أمن المنطقة بالكامل، مصر ترتكن على ظهر قوى اسمه القوات المسلحة المصرية التى تصون وتحمى مقدراته وتذود عن حدوده على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية.
مصر دولة قوية قادرة على صياغة سياساتها وتحديد أهدافها، لا تتحرك وفق أهواء أو نزعات عنترية ولاتتحرك وفق استفزازات تحاول جرها إلى معارك تستنزفها وتعطل مسيرتها التنموية والحضارية لبناء مستقبل أفضل لابنائها.
الخطاب الرسمى عقلانى يخاطب الداخل والخارج من منطلق واحد وهو القوة والقدرة القائمة على ثقة الشعب فى قيادته وفى قواته المسلحة بأنه لا تفريط ولا تهاون مع أى محاولة للمساس بالأمن القومى المصري، لأنه خط أحمر قد يكلف من يتجاوزه أو يحاول ذلك الكثير، بناء عليه فالخطاب يلوح بعصاة القوة والجاهزية والاستعداد أو كما قال الرئيس قبل ذلك «اللى عايز يجّرب يقرب».