أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء العدد الخامس من إصدارة «مرصد السياسات العامة» وهو سلسلة دورية ربع سنوية تأتى إيمانًا من دوره فى المساهمة الفعالة لدعم متخذى القرار على صنع وتطوير السياسات العامة، وتعزيز كفاءة وفعالية جهود التنمية، وقد جاء العدد الجديد بعنوان «تحفيز صناعة السيارات فى مصر.. ممارسات دولية رائدة».
أوضح المركز أن صناعة السيارات تعد ركيزة مهمة للاقتصاد العالمي، حيث تلعب دورًا محوريًا فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول وتساعد على خلق فرص عمل وتساهم فى الناتج المحلى الإجمالى وتدر إيرادات عالمية كبيرة، بالإضافة إلى ذلك تلعب صناعة السيارات دورًا فى تحسين الأداء الخارجى للدول من خلال زيادة الصادرات.
خلال العقود الماضية اقترن تطور اقتصاد بعض الدول بتطور صناعة السيارات وفى السنوات الأخيرة تزايدت الحصة العالمية لصناعة السيارات فى هيكل الناتج المحلى الإجمالى العالمي، وفى ضوء التحول الذى يشهده العالم نحو الاقتصاد الأخضر اتجه العديد من الدول إلى تشجيع إنتاج السيارات الكهربائية وتحفيز الطلب عليها.
انطلاقًا من الأهمية الاقتصادية لصناعة السيارات أولت الدولة المصرية اهتمامًا خاصًا لصناعة السيارات وقد تمثل هذا الاهتمام فى طرح الاستراتيجية الوطنية للسيارات، وتوفير حوافز لتعزيز التصنيع المحلى والتجميع مع رفع قدرة المجمعين المحليين، واستهداف تصدير السيارات للأسواق الخارجية، وتتمتع مصر بعدد من المقومات التى تساعد على تطوير صناعة السيارات وأبرزها، قيام العديد من الشركات العالمية الرائدة فى مجال تصنيع المعدات الأصلية بالإنتاج محليًا فى مصر، وانخفاض الأجور فى مصر مقارنة بالمستوى العالمى والتى تعتبر ميزة بالنسبة للأجانب المستثمرين، وخاصًة الذين يرغبون فى استخدام مصر كقاعدة للتصدير، والموقع الجغرافى الذى يجعلها مركزًا مثاليًا للتصدير بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا.
«دراسة التجارب الرائدة»
من هذا المنطلق، تتناول الإصدارة الإطار المؤسسى والتشريعى لصناعة السيارات فى مصر، مع استعراض تقييم المؤسسات الدولية لصناعة السيارات فى مصر، بالإضافة إلى دراسة أبرز التجارب الدولية الرائدة فى مجال صناعة السيارات وهى «الهند، وجنوب إفريقيا، والمغرب، وتايلاند، والبرازيل، وماليزيا»؛ لتوضيح أبرز الآليات والبرامج التى تبنتها تلك الدول لتعزيز صناعة السيارات لديها، واستخلاص أبرز عوامل النجاح التى تمكن لمصر الاستفادة منها فى تطوير هذه الصناعة، مع الإشارة إلى الجهود المصرية والاستراتيجيات التى تم إطلاقها لتحفيز صناعة السيارات والصناعات المغذية، واقتراح خطة عمل لتوطين صناعة السيارات محليًّا، وذلك فى ضوء التجارب الدولية التى تمت دراستها ومقترحات المؤسسات الدولية.
استعرضت المؤشرات المتعلقة بسوق صناعة السيارات فى مصر من حيث الإنتاج والمبيعات والقدرة على التصدير واستيراد الأجزاء المكونة للسيارات وقطع الغيار فضلًًا عن إلقاء نظرة على العاملين بالقطاع، كذلك تم تقييم فعالية أبرز الاتفاقيات التجارية التى انضمت إليها مصر بشأن تعزيز سوق السيارات، وفى هذا السياق تم استعراض توقعات مؤسسة «فيتش» بأن تصل مبيعات السيارات إلى ما يقرب من 270 ألف سيارة خلال عام 2030، كما تناولت الإصدارة الاتفاقيات الاقتصادية فى تعزيز التبادل التجارى لمصر مع مختلف دول العالم فى قطاع المركبات، حيث قامت مصر بتوقيع عدد من الاتفاقيات الدولية التى عملت على خلق فرص لزيادة الصادرات المصرية، ومن خلال تتبع حجم التبادل التجارى بين مصر وعدد من الاتفاقيات التجارية البارزة، تتضح أهمية دول الاتحاد الأوروبى كشريك تجارى لمصر سواء على مستوى الصادرات أو الواردات المصرية من المركبات ولوازمها خلال عام 2022 حيث استحوذ على نحو 41.5٪ من إجمالى واردات مصر من القطاع خلال العام ذاته، كما ظهرت أهمية دول تجمع الكوميسا كوجهة رئيسية لصادرات المركبات المصرية.
كما استعرضت الإصدارة تقييم المؤسسات الدولية لصناعة السيارات فى مصر ومن أبرز تلك المؤسسات «البنك الدولي، مؤسسة فيتش سولوشنز، هيئة التعاون الدولى اليابانية «الجايكا»، مؤسسة ديليوت»، حيث أشارت التقارير الدولية إلى وجود بعض التحديات والعقبات التى لا تزال تواجه القطاع سواء على الصعيدين المحلى أو العالمي، ومن أبرزها الاتجاهات التضخمية العالمية، والحواجز الجمركية وغير الجمركية، واتفاقيات التجارة الحرة، وعلى الرغم من تلك التحديات فإن بعض المؤسسات الدولية قد أشارت إلى أهمية سوق السيارات المصرية وذلك على الرغم من المكانة المحدودة التى تحتلها مصر كمنتج للسيارات، حيث أكدت وجود فرص كبيرة لقطاع صناعة السيارات فى إطار حزمة الحوافز التى تقدمها الحكومة لصناعة السيارات.
«جهود استراتيجية وطنية»
تناولت الجهود المصرية والاستراتيجيات التى تم إطلاقها لتحفيز صناعة السيارات والصناعات المغذية، حيث يمكن تلخيص أبرز الجهود المصرية فى النقاط التالية:
– إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة السيارات فى مصر فى 14 يونيو 2022: نتيجة التعاون المشترك بين جميع الأطراف التى تمثل هذه الصناعة وكل الشركاء الأجانب واتحاد الصناعات، وتتمثل أهمية الاستراتيجية فى تلبية الطلب المصرى المتزايد على السيارات وخفض الضغط على موارد الدولة من العملات الأجنبية، حيث يتوقع أن يتجاوز حجم الطلب على السيارات فى مصر خلال عشر سنوات حد 8 مليارات دولار، كما تتمثل أهمية الاستراتيجية أيضًا فى تعزيز القدرة على الاستجابة إلى حجم الطلب فى السوق الإفريقية والذى يتوقع أن يبلغ نحو 5 ملايين سيارة خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما يشير إلى وجود طلب حقيقى تمكن تغطيته من خلال التصدير إلى تلك الدول.
– البرنامج الوطنى لتطوير صناعة السيارات فى مصر: ويعد بمثابة سياسة متكاملة لصناعة السيارات فى مصر والصناعات المغذية لها بما يتوافق مع جميع الالتزامات الدولية، يتضمن البرنامج مجموعة من الحوافز تتمثل فى نظام تعريفة يُسهل إجراءات الإفراج الجمركى للشركات المشاركة، وبرامج لدعم الشركات التى تتخصص فى توطين صناعة المعدات الأصلية بمصر، وتشجيع التحول نحو نظام التجميع الصناعى الكامل بما يشمل تجميع السيارات بالكامل محليًا من الأجزاء المستوردة.
– الرخصة الذهبية: وتعد بمثابة موافقة واحدة نافذة بذاتها دون الحاجة إلى اتخاذ أى إجراء آخر.
– المبادرة الرئاسية لإحلال المركبات المتقادمة: وتم إطلاقها عام 2021 بهدف تعزيز وجود المركبات الصديقة للبيئة فى نحو 15 محافظة فى المرحلة الأولى للمبادرة تمهيدًا لتوسيع قاعدة المستفيدين من المبادرة فى باقى المحافظات، كما تعمل المبادرة على توطين صناعة السيارات من خلال زيادة نسبة المكون المحلي؛ على نحو يسهم فى تيسير امتلاك المواطنين لسيارات صديقة للبيئة.
– تعزيز البنية التحتية لصناعة المركبات: وقد أولت الحكومة المصرية اهتمامًا خاصًا للصناعات المغذية لصناعة السيارات والبنية التحتية المرتبطة بالصناعة، حيث تم إنشاء وتشغيل ما يقرب من 3000 محطة شحن بتكلفة استثمارية تقدر بنحو 450 مليون جنيه فى محافظات «القاهرة، والإسكندرية، والجيزة، ومدينة شرم الشيخ، والطرق السريعة» وذلك بالتعاون بين مؤسسات عامة وخاصة، بحيث يتم ذلك فى إطار شركة يشترك فيها القطاع الخاص بنسبة 25٪، كما تم التوسع فى إقامة محطات الغاز الطبيعى اللازم لتموين السيارات، حيث تمت زيادة عددها من 250 محطة إلي1000 محطة خلال عام واحد.
– تصنيع الضفائر الكهربائية: وفى إطار العمل على تعزيز الصناعات المغذية لصناعة المركبات عملت الحكومة على توفير كل الدعم اللازم لشركة سوميتومو إلكتريك إيجيبت؛ بهدف إقامة أكبر مصنع لإنتاج الضفائر الكهربائية للسيارات والمركبات بجميع أنواعها فى مدينة العاشر من رمضان وذلك باستثمارات ضخمة على مساحة 150 ألف متر إذ يتمكن المصنع من مضاعفة إنتاج الشركة فى مصر، بحيث يلبى المصنع احتياجات السوق المحلية، ويصدر منتجاته لمختلف الأسواق الأوروبية والأمريكية وفقًا لتوقعات الشركة، حيث يعمل المصنع على توفير ضفائر كهربائية، وعقول إلكترونية لعدد مليون سيارة سنويًا بما يوفر 3500 فرصة عمل، وهو ما يؤكد قدرة مصر لاجتذاب كبرى الشركات العالمية للاستثمار فى السوق المصرية.
«السيارات الكهربائية»
– إنتاج إطارات السيارات: حيث حرصت الحكومة على جعل السوق المصرية مركزًا لإنتاج السيارات وصناعتها المغذية لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير للسوقين الإقليمى والقاري، وذلك من خلال توفير حزم تحفيزية للشركات المحلية والعالمية لتعميق التصنيع المحلي، وهو ما انعكس على تحفيز إنشاء مصنع «رولينج بلس» لإنتاج إطارات السيارات الملاكى والنقل الخفيف والثقيل على مساحة 400 ألف متر مربع بمنطقة السخنة الصناعية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس باستثمارات تُقدر بنحو مليار يورو؛ إذ تبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع بالكامل نحو 7 ملايين إطار سنويًا.
– تحفيز إنتاج السيارات الكهربائية فى مصر: وفى ضوء ذلك تم تدشين مشروع تصنيع سيارة كهربائية مصرية بتمويل من أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا برعاية وزارة التعليم العالى والبحث العلمي، وذلك فى إطار استراتيجية الوزارة لتهيئة بيئة محفزة لإنتاج وتوطين التكنولوجيا وخطط الوزارة للنهوض بصناعة السيارات الكهربائية، من خلال حزمة من المبادرات والمشروعات القومية وهو ما أسفر عن تطوير نموذج لتصنيع سيارة كهربائية مصرية يحقق الربط بين البحث العلمى والصناعة.
– تعزيز سبل التعاون الدولي: تم عقد عدد من الاتفاقيات الإطارية مع كبرى شركات السيارات العالمية بما يعمل على توطين صناعة السيارات فى مصر وتنفيذ أهداف البرنامج الوطنى لتنمية صناعة السيارات، من أبرز تلك الاتفاقيات اشتراك الحكومة المصرية مع عدد من شركات السيارات المحلية والعالمية والتى تضمنت شركة نيسان مصر وإفريقيا وشركة «ستيلانتس إيجيبت» ومجموعة المنصور للسيارات، وذلك فى إطار 3 اتفاقيات ملزمة تم توقيعها خلال شهر فبراير 2023 لضخ استثمارات بقيمة 145 مليون دولار فى قطاع السيارات.