السلام من قلوب أمهات لم تعد ثكلي، والسلام من «حيوات» زوجات لم تتشح بالحزن والسواد، والسلام من براءة البنات اللائى مازلن فى أحضان آبائهن، والسلام لهؤلاء الأخوات اللائى مازلن يتكئن على سند الأخ،.. حافظت مصر على حدودها وأرضها وسينائها، ولم تقطر دماء أبنائها «الأبطال» وانتصرت الدبلوماسية المصرية متكئة على قوات مسلحة تملك القدرة والقوة «معا» فلوحت بهما ردعا لمحاولات النيل من أرض مصر وكرامتها، ومنذ السابع من أكتوبر 2023 ومصر صاحبة المباديء الثابتة، نادت بوقف العدوان على غزة وأهلها، وترك العنف بين الجانبين، والاستماع لصوت «العدل والانصاف» تلكما المفردتان اللتان تكررتا فى حديث مصر احتفالا بذكرى نصر أكتوبر أكثر من «سبع مرات» ولهذا دلالة ومعني، أما الدلالة فإن العدل والانصاف هما ركيزتا استراتيجية مصر الثابتة تجاه «قضية القضايا» فلسطين، انطلاقا من القرارات الصادرة من الأمم المتحدة ومجلسها الأمني، وتفعيلا للمواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية التى تنظم العلاقات بين الشعوب، وثانيا: كان المعنى فى تجلى «دولة المباديء والقيم» مصر التى لم تستميلها الإغراءات المالية رغم ظروفنا الاقتصاديةـ التى بدأت تتعافى ولم تركن لمشروع «يائير ليبيد» فى استبدال ديون مصر نظير ادارتها للقطاع لمدة 15 عاماً، ورفض مشروع «جيورا ايلاند» والذى تضمن مضاعفة مساحة غزة ثلاث مرات، وذلك بضم 600 كيلومتر مربع من سيناء لتوطين الفلسطينيين من غزة بها، وكشف هذا المشروع عباس أبومازن عن مقترح من «محمد مرسي»!!.
وأمام رفض مصر الذى لم يفتر ـ لرغبة دونالد ترامب فى إقامة «ريفيرا غزة» وتهجير الغزاويين إلى سيناء، وإصرار رفض مصر فى الحضور إلى امريكا إذا تضمن اللقاء فى جدول أعماله النقاش حول «التهجير» ومع الرفض فى المساس بحقوق مصر من خلال المرور للسفن الأمريكية عبر قناة السويس، وتكرار رفض حضور مصر لامريكا للاجتماع مع الدول العربية والاسلامية لمناقشة قضية غزة، ومن قبل رفض مصر استقبال اتصالات من الجانب الصهيوني، وتخفيض مستوى لجان الاتصال، وإرجاء ارسال سفيرنا للكيان وكذلك إرجاء استقبال سفيرهم، بل ورفض استقبال سفير امريكا لدى الكيان عندما أرادوا تحميله برسالة مشتركة ـ امريكية صهيونية ـ وأدارت الدبلوماسية الرئاسية معركة سياسية لعزل الكيان دوليا مما نتج عنه اعتراف الدول الكبرى بعدالة موقف مصر فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك أعلن الاتحاد الأوربى مقاطعة التجارة مع الكيان وعدم تصدير السلاح إليه، وأعلنت اسبانيا وقف تصدير سلاح للكيان رغم قيمته التى تجاوزت (700 مليون يورو) ومن أقصى طرفى الأرض أعلنت الصين تضامنها مع قيام الدولة الفلسطينية وكذلك ـ من الناحية الأخرى من الأرض ـ أعلنت دول امريكا اللاتينية إجراءات تصل لقطع العلاقات مع الكيان، حتى إن ترامب أعلن: «ان إسرائيل لا تسطيع مواجهة العالم» وبالفعل نجحت الدبلوماسية المصرية «الرئاسية» فى عزل الكيان الصهيونى واجباره على الانصياع للمباديء المصرية القائمة على العدل والانصاف تجاه القضية الفلسطينية.
والصورة بمنظورها الأكبر تتسع ليأتى دونالد ترامب إلى مصر ومعه أكثر من عشرين من ملوك رؤساء العالم ليقر الجميع بالعدل والانصاف تجاه القضية الفلسطينية، ويجتمع «الأضداد» أيضا فى أرض السلام «شرم الشيخ» وهم: الولايات المتحدة وايران، وقبرص واليونان وتركيا، فضلا عن بريطانيا والمانيا وفرنسا واسبانيا واندونيسيا وغيرهم، وفى تفاصيل تلك الصورة لقادة العالم بشرم الشيخ بصيرة نافذة لقدرة مصر لصنع السلام الاقليمى والعالمي.
وصورة ثالثة كان راويها ويتكوف مبعوث ترامب إذ قال للرئيس السيسي: مصر قامت بجهود مضنية لوقف الحرب فهل سيكتب التاريخ ذلك؟.. وفى أقصى طرف الصورة فى «ميدان الأسري» بالأراضى المحتلة، كانت كلمته عندما ذكر بنيامين نتن ـ ياهو، وصرخ الشعب اليهودي: «بو» وهم يعلمون معنى تعبير «بو»!.
تمسكت مصر بالشرف فى زمان عزّ فيه الشرف، وظلت دولة المباديء، وبقيت كما قال جيمس هنرى بريستيد فى رائعته «فجر الضمير» 1934 إذ يدلل على أن مصر أصل حضارة العالم ومهدها الأول، بل فيها شعر الإنسان لأول مرة بنداء الضمير، وبها تكونت الأخلاق.