وقع حادث مصرع الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان، ومجموعة من المرافقين لهما فى الطائرة الهليكوبتر التى تحطمت بهم جميعاً فى جو عاصف ملبد بالغيوم فى منطقة جبلية مليئة بالغابات فى محافظة أذربيجان الشرقية داخل إيران على الحدود الشرقية مع دولة أذربيجان. مفاجأة من النوع الثقيل للغاية سواء على السلطات والشعب الإيراني، أو جميع دول منطقة الشرق الأوسط والعالم، ووضعت المفاجأة الجميع فى حالة صاخبة من الاحتمالات والتحليلات والتوقعات، كلها تجرى تحت تأثير المفاجأة التى جاءت خارج كل الحسابات، ما عدا حسابات القدر الذى لا يعرف أحداً له موعداً.
وكما فى الأساطير المأساوية اليونانية القديمة، وأفلام الميلودراما، حيث تأتى المأساة متلازمة مع فرحة حقيقية أو فرحة متوقعة. فقد أكمل الرئيس الإيرانى والوفد المرافق له مع رئيس جمهورية أذربيجان ومرافقيه، احتفالاً بافتتاح سد للمياه بين البلدين يساعد فى تنظيم تدفق المياه إلى إيران التى تعانى مع دول المنطقة من عجز كبير فى المياه فى السنوات الأخيرة أثر على إنتاجها الزراعي. ووسط أجواء ممطرة كثيفة الضباب استقل الرئيس الإيرانى ووزير الخارجية طائرة هليكوبتر مع آخرين فى طريق العودة إلى مدينة تبريز الايرانية، ولكن اختفت طائرة الرئيس وسط الضباب، بينما وصلت الطائرتان الأخريتان. وظل الغموض لساعات طويلة سيد الموقف. هل ضلت الطائرة الطريق لسوء الأحوال الجوية، أم سقطت وسط الجبال والغابات؟ وهل الرئيس ومرافقوه على قيد الحياة فى كل الأحوال أم أصابهم مكروه؟ وطلبت إيران مساعدات من الدول المجاورة والأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية. واكتشفت مسيرة تركية مكان سقوط وتحطم طائرة الرئيس ومرافقيه وتأكدت وفاتهم جميعا يوم 19 مايو 2024 ودخلت إيران مرحلة حداد وانتقال للسلطة والتحقيق فى أسباب الحادث المأساوى الأليم.
وتعددت الآراء حول أسباب وقوع الحادث، ومنها أن سوء الأحوال الجوية مع احتمال حدوث عطل فنى مفاجئ فى الطائرة المروحية، أفقد الطيار السيطرة عليها وهو ما أدى إلى الاصطدام المفاجئ بالجبل وسط الغابات وأنه لم تكن ثمة فرصة بأى حال لتجنب هذا الحادث. وربط آخرون ذلك بالعقوبات الغربية المفروضة على إيران والتى أدت إلى عدم تجديد هذه الطائرات الامريكية المصنعة عام 1968 وغير مجهزة بالأجهزة الإلكترونية الحديثة التى تساعد على تجنب أو التخفيف من نتائج الظروف القاهرة المفاجئة. كما ارجع البعض الحادث إلى احتمال عمل تخريبى فى طائرة الرئيس الإيرانى نتيجة اختراق الأجهزة الأمنية المعنية بتأمين وسلامة رئيس الجمهورية. واختلفت الآراء فى توجيه الاتهام لمن قد يكون وراء احتمال القيام بعمل تخريبي، فالبعض أرجعه إلى دائرة المتنافسين على خلافة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئى البالغ من العمر 85 عاماً وأنهم لا يريدون أن يخلفه الرئيس إبراهيم رئيسى باعتباره من بين المرشحين ومن المقربين من المرشد الأعلي. ومن يرى تدخل عناصر معارضة متطرفة خاصة فى ولاية أذربيجان الشرقية الإيرانية. ومن يرى تدخل قوى خارجية.
ولكن التحقيقات الجارية قد تظهر حقيقة ما حدث أو تكتفى بأن الحادث وقع نتيجة الظروف المناخية واحتمال خلل فنى وخطأ إنسانى من الطيار. وهذا حتى الآن هو الأقرب لما حدث لأنه ليس من مصلحة الأطراف الإقليمية والدولية تدبير مثل هذا الحادث لأنه لن يغير من سياسة إيران التى يضطلع المرشد الأعلى وأجهزة أخرى خاصة الحرس الثورى الإيرانى بدور فعال فى الشئون الإيرانية الخارجية. كما أن النظام الإيرانى لديه ترتيبات قانونية محددة لانتقال السلطة واختيار القيادات لا ينتظر أن يكون لاختفاء أحد القادة تأثير كبير عليها داخلياً وخارجياً على المدى القصير على اقل تقدير.
ويلاحظ انتماء الرئيس إبراهيم رئيسى للتيار الإيرانى اليميني، إلا أنه استمر منذ توليه السلطة فى اتباع الخطوط العريضة للسياسة التى كانت متبعة فى عهد سلفه الرئيس حسن روحانى المحسوب على التيار الليبرالي، فى التقارب مع دول الجوار وتحسين العلاقات وتخفيف حدة التوتر وإعلاء المصالح العملية على الاتجاهات العقائدية. ومن المنتظر استمرار إيران على هذا النهج فى المرحلة القادمة وتجنب التصعيد فى الصراعات الدائرة فى المنطقة، خاصة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والاوضاع فى لبنان وسوريا واليمن والعراق، وعدم التضحية بما تحقق من خروج إيران من عزلتها الإقليمية بتحسين علاقاتها مع دول المنطقة، بما فيها العلاقات المصرية الإيرانية، وتخفيف حدة التوتر مع عدة دول أوروبية، وما يتسرب عن مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية.