بمقاييس القمم العربية السابقة تعتبر القمة العربية الأخيرة في البحرين ناجحة بكل المقايس.. رغم ان البعض قد يري بعض القرارات اقل من طموحاته.. لكن القادة العرب يملكون في ايديهم كل تقديرات الموقف ويعرفون كيف يحققون اهداف القمة وسط ظروف عالمية مواتية من ناحية.. ومعاكسة من ناحية اخري.. والملاحظ ان الكثير من قرارات القمة جاء متوافقا مع ما اعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته امام القمة.. وقد عبرت هذه القرارات تماما عن الموقف العربي الرافض للعدوان الاسرائيلي علي غزة.. والرافض تماما لمحاولات التهجير القسري.. والداعي في نفس الوقت الي حماية الشعب الفلسطيني.. كما ان هذه القرارات تعبر عن استمرار النهج العربي للتوجه الدائم نحو السلام.. الذي لا يريده الطرف الاسرائيلي.. والذي لا يريد اقامة دولة فلسطين.. ويسعي لإفشال كل خطوة تقرب منها.. ومن هنا دعت القمة الي مؤتمر دولي للسلام.. وسوف تحدد الايام القادمة وسائل التحرك العربي من اجل تنفيذ مقررات القمة العربية.. وعلي رأسها بطبيعة الحال حماية الشعب الفلسطيني.. وايقاف القتل والتدمير.. وانفاذ المساعدات التي يحتاجها القطاع بعيدا عن التسلط والتعنت الاسرائيلي الذي يريد احكام الحصار علي اهلنا في غزة ومواصلة عمليات القتل والتدمير التي لم تتوقف منذ السابع من اكتوبر 2023 مع استخدام السلاح المفرط في القتل والتدمير واستخدام سلاح التجويع.. فمن لم يمت بالسلاح مات بالجوع والعطش.. وانعدام الرعاية الطبية التي حرص الاحتلال علي تدمير كل مقوماتها في غزة..
وهذه القمة في البحرين هي الثالثة والثلاثون بخلاف 14 قمة طارئة و4 قمم اقتصادية وتنموية.. ونعرف جميعا ان مصر دعت لاول اجتماع لانعقاد اول قمة عربية في تاريخ العرب علي ارض مصر.. وكان ذلك في منطقة انشاص بمحافظة الشرقية بدعوة من الملك فاروق في مايو 1946 وكانت مصر قبلها قد دعت الي انشاء جامعة الدول العربية.. ودعا النحاس باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت نظرائه من عدة دول عربية للاجتماع في مصر من اجل هذا الغرض.. ووقع ميثاق انشاء الجامعة العربية في قصر الزعفران.. وهو مقر جامعة عين شمس الان.. وذلك في 22 مارس 1945..
وكانت بداية العودة الدورية للقمم العربية حين دعا اليها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يناير 1964 للتصدي لمحاولات اسرائيل تحويل نهر الاردن.. ثم حدد شهر سبتمبر من نفس العام لانعقاد القمة مرة اخري في الاسكندرية.. وهي القمة التي بني من اجلها فندق فلسطين في المنتزة.. وكان التحدي ان ينتهي بناء الفندق خلال ستة شهور.. وبالفعل استقبل الفندق القادة العرب في موعد القمة..
ولكن القمة التي كانت قمة مؤثرة بحق قد عقدت بالخرطوم بعد النكسة بعدة اسابيع.. وسميت قمة اللاءات الثلاث.. لا للتفاوض مع.. لا للصلح.. لا اعتراف باسرائيل.. غير ان كل هذا قد تم تجاوزه الآن..
ولكن لماذا كانت قمة الخرطوم قمة مؤثرة ؟.. لأن الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله منذ وقعت النكسة كان لا يعرف الابتسام طريقه اليه.. فجاءت قمة الخرطوم وخرجت مئات الالوف تنتظر عبد الناصر من المطار حتي قصر الضيافة.. وترحب بالقائد الصامد وتدعمه في مسيرته لاستعادة ما فقدته مصر والعرب.. وبعد هذا الاستقبال الاسطوري ادرك عبد الناصر مدي ثقة الشعب العربي فيه.. ودعمت عزيمته علي اعادة بناء جيش مصر.. ووفرت القمة مساعدات مالية لكل من مصر وسوريا والاردن..
وطبقا للمحاضر السرية لقمة الخرطوم التي نشرت في كتاب صدر في بيروت قبل نهاية السبعينات بقلم فؤاد مطر فقد واجه الملك فيصل رحمه الله الوفد السوري وقد جاءت هذه المواجهة لتوثيق كيف احتلت اسرائيل مرتفعات الجولان في عام 1967.. وقد ثبت ان راديو دمشق اذاع خبر انسحاب القوات السورية من الجولان قبل ان تسقط الجولان..
وليس هناك من تفسير لاحتلال القوات الاسرائيلية للجولان في ظل التسليح السوفيتي الهائل لهذه الهضبة شديدة الارتفاع والتي يصعب ان لم يكن من المستحيل الوصول اليها.. وقد رأيت بنفسي تحصيناتها في زيارة للجولان في مايو 1967.. ولهذا حينما سمعت انسحاب القوات السورية منها عجبت ، كما عجب غيري كيف حدث هذا.. ولكن كلمات الملك فيصل في قمة الخرطوم فسرت ماحدث ولم يكذب احد مانشر عن المحاضر السرية لقمة الخرطوم.
ثم تأتي قمة القاهرة عقب احداث ايلول الاسود في الاردن في سبتمبر 1970 وانتهت بفاجعة وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970..
ولعل اغرب القمم العربية ما اسميته انا في ذلك الوقت « قمة الاطباق الطائرة « وذلك بعد ان تسربت الي تفاصيل ماحدث من تراشق في القمة التي استضافتها القاهرة لاتخاذ قرار بشأن الغزو العراقي للكويت.. في اغسطس 1990. ومازال تاريخ القمم العربية حافلا بالكثير من محطات التاريخ العربي الحديث فهناك قمة المسجد الاقصي.. وقمة نقل مقر الجامعة إلي تونس.. وقمة اعادتها مرة اخري الي مصر.. وقمة اعلان المبادرة العربية للسلام.. وكلها مليئة باحداث مؤثرة في التاريخ الحديث للوطن العربي.