> أشعلت حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير القسري للفلسطينيين والتي شنتها إسرائيل بمباركة ومشاركة الغرب «الولايات المتحدة وأوروبا» ليس فقط غضب وحنق شباب الغرب ضد المؤسسات التنفيذية والتشريعية هناك ولكن أيضاً الصراع الكامن بين الشباب الذي يفكر ويتأمل بلا حدود من ناحية والسياسيين الذين لا هم لهم إلا البقاء في مناصبهم واتخاذ المواقف المساندة لجماعات المصالح التي ترعاهم والواقع ان هناك تغيرات ملموسة ومفصلية في النظم السياسية والنظام الدولي تؤكد علي ان صراعا قائما بين الأجيال متصاعدا وانه سيشكل النظام الدولي القادم وينعكس علي النظم السياسية القائمة.
أول تلك التغيرات التقدم غير المحدود في وسائل التواصل الاجتماعي والتي جعلت العالم قرية صغيرة متصلة اتصالا وثيقا مما جعل الأحداث في قبضة اليد وأمام العين وتحول المواطن إلي مواطن كوني لم يعد يحصر اهتمامه بالمحيط الضيق الذي يعيش فيه وإنما امتدت اهتماماته إلي العالم الأوسع وزادت انفعالاته بما يراه للبشر في مختلف بقاع الأرض وثاني تلك التغيرات تتعلق بالتواصل الفعال عبر العالم الافتراضي virtual، ومن المؤكد ان ذلك سيغير من طبيعة النظم السياسية ومؤسساتها، فالمواطن يستطيع أن يصوت اليكترونيا علي أي مرشح سواء في انتخابات رئاسية أو تشريعية، قومية أو محلية، ومن المؤكد انه في المستقبل سوف تتم مناقشات ومداولات المجالس التشريعية والتصويت علي مشروعات القرارات عبر الزوم والانترنت وساعتها لن تكون هناك مبان للهيئات التشريعية مثل الكابيتول «مقر الكونجرس» أو الجمعية الوطنية الفرنسية أو البرلمان البريطاني وغيرها، هذا التحول يقوده الشباب ويخشاه غيرهم الذين يجدون أنفسهم جالسين في المجالس التقليدية.
> ومن جانب ثالث ونظرا للقوة النافذة لجماعات الضغط والمصالح علي العمليات الانتخابية وعلي عملية صنع القرار بما في ذلك القرارات الاستراتيجية وما يؤديه ذلك إلي فساد سياسي حاد يقلع الشباب عن المشاركة السياسية بدءاً من عضوية الأحزاب السياسية القائمة كالحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي الأمريكي والذي لم يفرز حتي الآن مرشحين للانتخابات الرئاسية سوي بايدن «للحزب الديمقراطي» وترامب «للحزب الجمهوري» وعزوف الشباب عن عضوية الأحزاب نظرا لرضوخ أعضائها من المرشحين للرئاسة أو المجالس التشريعية للمصالح الضيقة التي تتبناها جماعات المصالح الكبري والمؤثرة علي الحياة السياسية وقد رأينا كيف انفجر الشباب في العالم كله ضد حرب الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل ضد الفلسطينيين بينما انشغل المشرعون بضغط وايعاز من جماعات الضغط والمصالح «اليهودية» والصهيونية بإصدار تشريعات تجرم انتقاد الشباب الغربي لإسرائيل وإدانتها واعتبارها معادية للسامية علي الرغم من مشاركة الطلاب والأساتذة «اليهود» في هذه الحركة الشبابية الكونية المستقلة والعفوية.
> يضاف إلي ما سبق ان الشباب يحاول أن يجد البدائل الممكنة والملائمة لتحقيق المبادئ التي أقيمت عليها الحضارة الغربية خاصة قيم الحرية واحترام حقوق الانسان تليها قيم العدل ورفع الظلم وهي قيم لا يعيرها السياسيون اهتماما يذكر خصوصا حينما يتعلق الأمر بإسرائيل سواء الحالية أو اسرائيل الكبري التي تسعي حكومة اليمين المتطرفة برئاسة نتنياهو بناءها علي حساب فلسطين والفلسطينيين ولم تكن صدفة أن يرفع طلاب الجامعات في العالم شعار «فلسطين حرة» وأن يؤكدوا بمن فيهم «اليهود» ان أحدا لن يكون حرا إلا إذا كانت فلسطين حرة ويتوافق إيمان الشباب بتلك القيم مع نظرية تويمبي حول تاريخ الحضارة حيث يري ان الحضارة تنهار حينما تتخلي عن القيم العليا التي أقيمت من أجل تحقيقها ويرتبط بذلك ولا ينفصل عنه التضارب الشديد في مواقف الغرب من القضية الفلسطينية خاصة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء احتلال اسرائيل لأراضي فلسطين، هذه المواقف لا تتعارض فقط مع ادعاءات الغرب بالحرية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير ولكنها تؤكد علي ازدواج المواقف، فالدول الغربية ذاتها تدين العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا بينما تستخدم الولايات المتحدة الفيتو ضد أي قرار يدين اسرائيل بل وأي قرار يعترف بفلسطين كدولة في النظام الدولي القائم بحجج وتبريرات لا يقبلها أي عقل.
> تداعيات حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين التي تشنها اسرائيل ضخمة اقليميا وعالميا وبالتأكيد محليا وهي تداعيات تمس هيكل وبنيان وفلسفة النظم القائمة والتي خذلت طموحات وتطلعات ومعتقدات الشباب في الحرية والعدالة، فمن الواضح جدا ان حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة والتي دفعت خططها ضد الفلسطينيين شباب العالم إلي المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات لابد أن تسقط لأن استمرارها يعني دوام الحرب الشرسة في الشرق الأوسط واستمرار الظلم والارهاب الاسرائيلي الذي لا يقبله شباب العالم وفي هذا الاطار فإن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة ينقل الاقليم من حالة الصراع الاجتماعي المتوالد إلي سلام يقود إلي تعاون اقليمي ولاشك ان ذلك من شأنه أن يدفع إلي تغيير نمط التفاعلات الاقليمية والتوصل إلي ترتيبات تدفع إلي الاستقرار وتحد من التوتر.
> الشباب يرنو إلي عالم جديد متعدد الأطراف، متنوع التوجهات لكن متكامل في المعاملات عكس القيادات التقليدية التي تتمسك بالنظام القائم المتحيز ومزدوج المعايير هذا التنافر يشجع القوي الدولية الصاعدة وخصوصا الصين إلي الدفع إلي تغيير هيكل وبنيان وفلسفة النظام الدولي وانتقاله إلي نظام تعددي يخرج عن العباءة الغربية ويسمح بمشاركة فعالة لبقية الدول خصوصا الدول الاقليمية الرئيسية مثل مصر والهند ونيجيريا وجنوب افريقيا والبرازيل والأرجنتين ويضاف إلي ذلك ان الشباب لا يثقون في المنظمات الدولية وليدة الحرب العالمية الثانية خصوصا الأمم المتحدة حيث يرون كيف تستبد الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وخصوصا الولايات المتحدة في استخدام حق الفيتو حينما يتعلق الأمر بالعدل الدولي وتحقيق السلام في الشرق الأوسط ويظهر الشباب حنقهم وامتعاضهم من حكوماتهم من السياسيين الراضخين لضغوط جماعات الضغط والمصالح بطريق انصرافهم عن التصويت في الانتخابات لعدم إيمانهم بجديتها وحياديتها وقد يفضي ذلك بهؤلاء الشباب إلي بناء نظام سياسي افتراضي مواز للنظم السياسية غير المرحب بها والقائمة ونصير أمام عالمين : عالم واقعي يعيش في غيابات تكريس الظلم واستباحة الضعفاء وعالم افتراضي نشيط وفعال يحيا علي أمل خلق مستقبل واعد نظيف، ربما يتفاعل شباب العالم بصورة أكثر ترابطا وحنكة متجددة لتغيير ايجابي يحفظ ما بقي من الحضارة الغربية التي تعيش أفولا غير مسبوق.
> وقد يكون من الضروري أن ننظر إلي حركة الشباب الكوني والتي بدأت في الجامعات لمناصرة حقوق الفلسطينيين ضد الارهاب الاسرائيلي الصهيوني علي انها الخطوة الأولي نحو حركة شبابية عالمية متماسكة ضد المؤسسات القائمة establishment وقراراتها ليس فقط بشأن فلسطين ولكن أيضاً بخصوص القضايا الدولية الحرجة والتي تشعلها أو تغذيها الدول الغربية والواقع ان الشباب الكوني لن يقف مكتوف الأيدي ضد إهدار حقوق الناس في الدول النامية وضد استنزاف مواردهم النادرة الصراع المشار إليه آنفاً لن ينتهي إلا بالانتقال إلي نظام دولي جديد أكثر عدلاً وأكثر أمناً.