بقلم: د.طـارق فهمـى
تتحرك مصر اقليميا ودوليا في اتجاه تشكيل قوة دولية في قطاع غزة تزامنا مع مسار وقف اطلاق النار والانتقال التدريجي لتثبيت وقف اطلاق النار علي الارض وبدء تنفيذ المراحل التالية والتي ستؤكد مصداقية الدور الامريكي في الشرق الاوسط وفي مسألة غزة علي وجه الخصوص ولعل دعوة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة نشر قوات دولية في قطاع غزة، وإعطاء شرعية دولية للاتفاق الذي تم التوصل إليه في شرم الشيخ حول قطاع غزة، من خلال مجلس الأمن يؤكد علي هذا التوجه المصري ويكسبه زخما وحضورا وأهمية.
ولعل اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية والعربية الرئيسية في باريس مؤخرا يؤكد أيضا علي هذا وفي ظل السعي لبحث مستقبل غزة بعد الحرب، وبعد توصّل إسرائيل وحركة حماس لاتفاق على وقف إطلاق الناروتبادل الرهائن المحتجزين في القطاع بأسري فلسطينيين ما قد يثير بعض الاسئلة حول ما يجري من مخطط لتشكييل قوة دولية علي الارض لادارة الاوضاع في قطاع غزة وقد تمت مناقشة المجالات الرئيسية في اجتماع باريس و التي سيتم المساهمة فيها: وهي الأمن والحوكمة وإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية وحددت بعض الدول الاوروبية مساهمات وجهود أخرى ترغب في تقديمها في غزة بعد انتهاء الصراع،من دون تقديم أي تفاصيل مع العمل علي اشراك الولايات المتحدة فيما يجري لدمج بعض النقاط التي تم الانتهاء اليها كما أبدت عدد من الدول اهتمامها بالمشاركة، ومنها إندونيسيا وإيطاليا وأذربيجان وقد تم عرض اقتراح فرنسي سابق يقوم علي خطة تدريجيةلتدريب 10 آلاف عنصر من قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وتجهيزهم واخراج حماس من السلطة الفلسطينية من غزة، لكن خطة ترامب تُلمّح إلى أنّها ستلعب دورا في القطاع في المستقبل.
تنص المقترحات التي يتم تداولها على نشر قوة استقرار متعددة الجنسيات تتطلب تفويضا من مجلس الأمن وتمويلا دوليا، على أن ينفّذ ذلك على مراحل إذا تسنى التوصل إلى اتفاق نهائي وستراقب هذه القوة وقف إطلاق النار وستشرف على نزع سلاح حماس وستدعم نقل المسئوليات الأمنية إلى السلطة الفلسطينية. ( ذكرت مصادر دبلوماسية أن فرنسا وبريطانيا بدأتا بالفعل مناقشات في الأمم المتحدة بشأن تفويض محتمل) وقد سبق وأن صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي على إعلان يحدد خطوات باتجاه حلّ الدولتين ويندد بحماس ويدعوها إلى الاستسلام والتخلي عن سلاحها .
ويشار الي أن خطة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تضمنت أجزاء من هذا الإعلان، لكن مازال هناك كثير من الثغرات التي يجب سدها بما في ذلك خطة ترامب التي تدعو أيضا إلى تشكيل قوة دولية لحفظ الاستقرار، بما يشمل الحصول على تفويض من الأمم المتحدة لقوة حفظ سلام.
في السياق العام فإن مصر منفتحة على فكرة نشرقوات دولية في القطاع بشرط أن يتم الأمر بموجب قرارمن مجلس الأمن، وعلى أن يقتصر دور القوات على مساعدة السلطة الفلسطينية في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة (جاء ذلك برغم ان مصر رفضت منذ بداية العدوان الاسرائيلي أي طرح لنشر قوات دولية أو عربية في غزة، خشية تدويل القضية أوتصفيتها بالاحتلال والتهجير) وقد تغير موقف مصرفي اطار التحرك المصري الراهن في ملف غزة بعد وقف اطلاق النار وذلك بهدف الحفاظ على الثوابت،وفي مقدمتها اشتراط تفويض أممي لأي قوات، ورفضت هجير السكان، والتمسك بدعم السلطة الفلسطينية، والاستقرار الإقليمي. ولعل هذا التحول فرضته تطورات مهمة من أبرزها وقف اطلاق النار والتهديد بالتهجير، والضغوط الامريكية، والخسائر الاقتصادية، وأن الانفتاح على قوات أممية بات خيارا واقعيا.
يعود إصرار مصر على تفويض مجلس الأمن قبل نشرقوات دولية في غزة لعدة اعتبارات أساسية أهمها أن التفويض يمنح شرعية دولية ويؤمن القوات من الاعتداءات الإسرائيلية، ضمن إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة لحفظ السلم ويضمن التوافق الدولي وعدم تعطيله عبر الفيتو(حق النقض) الامريكي، بخلاف القوات غير الأممية التي تواجه إشكاليات في الشرعية رغم مرونتها في الحركة والميزانية كما أن الطابع الأممي يمنح القوات حيادية ويدعم الحل السياسي، إذ قد يشكل وجودها ضغطا على إسرائيل للانسحاب، ويعزز فرص تسوية على أساس حل الدولتين.
إضافة إلي أن التفويض يجنب القاهرة التورط العسكري المباشر أو الدخول في مواجهة مع إسرائيل، أو باحتمال نشوب صدامات مباشرة كما أن وجود قوات أممية يعزز الوساطة المصرية ودورها الإقليمي، خاصة أن القاهرة تدرب 5 آلاف شرطي فلسطيني، وتحرص على إعادة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع وصدور القرار عن مجلس الأمن يمنح أي قوة دولية ثقلا قانونيا وأمميا ملزما، على عكس التفاهمات الثنائية التي لا تملك القوة القانونية الكافية.
ومن هذا المنطق، ينطلق الموقف المصري من أن أى تدخل دولي يجب أن يكون جزءا من مسار سياسي أشمل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقد يتخذ التفويض الأممي أشكالا مختلفة حسب قرارات مجلس الأمن، تبدأ من قوات مراقبة محدودة المهام، مرورا بقوات حفظ السلام التي تفصل بين الأطراف وتحمي المدنيين، وصولا إلى قوات فرض السلام ذات الصلاحيات الواسعة للتدخل بالقوة، إضافة إلى القواتالهجينة التي تجمع بين عناصر محلية ودولية كما في حالتي دارفور والصومال. (وجود قوات متعددة الجنسيات، لكنها غير أممية، مثل القوة الدولية في سيناء الخاضعة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية).
يكمن التحدي الأبرز في طبيعة المشاركين وصلاحيات القوة، خصوصا إذا ارتبط القرار بقضايا حساسة، مثل نزع سلاح حركة حماس أو مستقبل المقاومة نفسه، مما قد يثير خلافات بين الأطراف المعنية ومعروف أن مهام القوات الدولية في الصراعات تتعدد بصورة كبيرة وتشمل بشكل أساسي حماية المدنيين، ومراقبةاتفاقيات وقف إطلاق النار، والمساعدة في بناء السلام، وتوفير الأمن، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية كما تهدف هذه القوات أيضًا إلى منع نشوبالصراعات والحد من العنف، وتعزيز السلطات الوطنية للاضطلاع بمسئولياتها الأمنية.
في المجمل من المحتمل ان تتنوع المشاركة بين إرسال مراقبين أو خبراء استشاريين، أو نشر قوات لتأمين معبر رفح، أو وحدات هندسية للمساهمة في إعادة الإعمار، وصولا إلى قوات رئيسية لدعم السلطة الفلسطينية كما أن المسئولية يجب ألا تقع على مصروحدها، بل ينبغي مشاركة دول عربية وإسلامية أخرى، لتخفيف العبء وضمان شرعية أوسع وقد وأنشأ الجيش الأمريكي مركز تنسيق مدني عسكري لدعم جهود تحقيق الاستقرار في غزة، يشارك في إدارته قائد القيادة المركزية الأمريكية الأدميرال براد كوبر، إضافة إلى عضو من المخابرات المصرية والمخابرات التركية، وأعضاء من قطر وإسرائيل و»حماس». وسيكون مقر غرفة التنسيق المدنية العسكرية فى إسرائيل وليس داخل غزة، ولكن على الأرجح سيدخل العناصر العاملون في هذا الفريق إلى أراضي القطاع لتنفيذ مهمات محددة، بحسب الحاجة.
وتستعد الولايات المتحدة لإرسال 200 جندي إلى إسرائيل للمساعدة في دعم ومراقبة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وكذلك تتجهز الدول الأعضاء في غرفة التنسيق العسكري المدني إلى إرسال فرق عسكرية للمنطقة للمشاركة في المهمات الموكلة إليهم ومن المؤكد أنه لا توجد ضمانات حقيقية لنجاح أي قوة أممية محتملة في غزة، نظرا لغياب الالتزامات الدولية الواضحة، وصعوبة الاعتماد على السياسات الإسرائيلية المتعنتة كما أن التفاهمات الجانبية أو التعهدات الفردية لا تكفي لضمان نجاح مثل هذه القوة، وأن الدول العربية والاوروبية ستصر على أن تكون هذه المشاركة جزءا من مشروع أشمل لإعادة الإعمار، وتمكين السلطة الفلسطينية، وتهيئة الظروف لإقامة الدولة المستقلة، بحيث لا تتحول القوة الدولية إلى غطاء لاستمرار الاحتلال كما أن إسرائيل قد تحاول توظيف هذا الطرح كذريعة لتأخير انسحابها العسكري من القطاع، بدليل أن تجارب القوات الدولية في سوريا ولبنان، والتي أثبتت محدوديتها في منع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
وكما كانت وما زالت مصر هى الطرف الفاعل والدولة المركزية فى اى اتفاق سلام وعنصر الاستقرار الرئيسى فى المنطقة ستبقي مصر وفي كل السيناريوهات الطرف الأنسب لتدريب قوات الأمن الفلسطينية، لكونها الدولة الوحيدة التي تمتلك حدودابرية وبحرية مع غزة، ولخبرتها السابقة في إدارة القطاع، ومعرفتها الدقيقة ببنيته الاجتماعية.