من مصلحة جميع الأطراف انجاح المسار المنصوص عليه.. خاصة فى مرحلتها الأولى
بقلم :عاطف سيد الأهل
صرح الجنرال الإسرائيلى المتقاعد اسحاق بريك ان الرئيس ترامب أنقذ اسرائيل من نفسها فى اللحظات الأخيرة واصفا ذلك بالمعجزة . وذلك فى اشارة الى خطة ترامب للسلام فى غزة التى صدرت فى وقت كانت فيه اسرائيل تعانى من:
اولا.. ارهاصات تحول فى الداخل الأمريكى، خاصة فى أوساط الشباب، ضد سياسات نتنياهو وضد الدعم الأمريكى لاسرائيل فى ضوء الابادة الاسرائيلية للأهالى فى غزة، على أساس أن هذا الدعم يمثل خروجا على القيم الانسانية .وهذا التاّكل المتواصل بين طائفة الشباب الأمريكى فى تأييد اسرائيل قد امتد الى بعض نواب الحزب الديمقراطى فى الكونجرس الأمريكى، وحركة ماجا ( لنجعل امريكا عظيمة مجددا)، وبعض عناصر الحزب الجمهورى حتى أن النائبة الجمهورية مارجورى جرين وصفت مايجرى فى غزة بالابادة الجماعية.
كل هذه التحولات تحدث رغم الدور الذى تقوم به ايباك (لجنة الشئون العامة الأمريكية الاسرائيلية) فى توجيه السياسات والقرارات فى واشنطن لتأييد ودعم اسرائيل، والبرامج الاسرائيلية لدعوة أعداد كبيرة من أعضاء الكونجرس الأمريكى لزيارة اسرائيل، والاتصال بمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعى ودفع مرتبات لهم لتجميل صورة اسرائيل، وانشاء موقع الكترونى وثائقى عن 7 اكتوبر للنيل من صورة حماس والفلسطينيين.
ثانيا.. الاعترافات الواسعة بدولة فلسطين والتى شملت لأول مرة فرنسا وبريطانيا لتكتمل دائرة اعتراف اعضاء مجلس الأمن الدولى باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مايعبر عن توجه تاريخى ايجابى داعم لحقوق الشعب الفلسطينى.
ثالثاً..العزلة الدولية التى تتعرض لها اسرائيل لأول مرة منذ انشائها، فلم يكن صانع القرار الاسرائيلى يدرك مدى تأثير المظاهرات الشعبية فى جميع انحاء العالم ضد اسرائيل والمطالبين بوقف الحرب والدمار فى غزة، كما لم يدرك أهمية المقاطعات الأكاديمية الغربية لنظيرتها الاسرائيلية، ومعاناة اليهود فى العالم من المعاملة السيئة، ومن مطاردة منظمات فلسطينية غربية مثل منظمة هند رجب للجنود الاسرائيليين فى الخارج الذين قاموا بعمليات ابادة وقتل، حتى أن نحو56% من الاسرائيليين يعربون عن تخوفهم من السفر للخارج.
وهذه العزلة أدت الى تصريح نتنياهو عن تحويل اسرائيل الى اسبرطة بمعنى خلق اكتفاء اقتصادى ذاتى ومجتمع عسكرى قوى لحمايته من جيرانه. وهذا المفهوم ليس بجديد فهو موجود ايضا فى السرديات الاسرائيلية، ففى كتاب اسرائيلى منشور بعنوان ( امهات المقاتلين فى الأدب العبرى ) لمؤلفته دانا اولميرت نجلة رئيس الوزراء الاسرائيلى الأسبق ايهود اولميرت تشير الى هذا المفهوم فى كيفية تربية الأمهات العبريات لأبنائهن لاعداد جيل مقاتل فى المستقبل اسوة باسبرطة.
رابعاً.. استنزاف الجيش الاسرائيلى على عدة جبهات، وتنامى خسائره فى الأفراد والمعدات، وقد مثلت الحرب التحدى الأكبر للجيش الاسرائيلى من حيث الصعوبات العملياتية والخلاف مع المستوى السياسى، والخوف على حياة المخطوفين، وتحسب قياداته من المسئولية السياسية وجرائم الحرب التى قد يتعرضون لها فى المستقبل.
خامساً .. تزايد معدلات الهجرة العكسية من اسرائيل حيث شهدت الأشهر التسعة الأولى من العام الجارى هجرة79 الف اسرائيلى مقابل عودة 21 ألف اليها، وذلك حسب الآحصائيات الرسمية فى اسرائيل .
وكانت عملية الهجوم الاسرائيلى على الدوحة المؤشر الأخير على تخبط النظام فى اسرائيل، وشكلت نقطة تحول جوهرية نتيجة غضب الشركاء العرب الرئيسيين من هذا الهجوم، واعتراض بعض قيادات البيت الأبيض على هذا السلوك الجامح.
وبالتالى أجمعت الآراء فى واشنطن على أهمية ايجاد مخرج للوضع فى المنطقة ،واخراج اسرائيل من عزلتها ومن العقوبات التى فرضت عليها ومن الكراهية التى حاقت بمواطنيها فى كل انحاء العالم والتى تزايدت مع ارتفاع نسق الابادة والتجويع فى القطاع، وادرك ترامب ان مفتاح القضية يتمثل فى اطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين،وايقاف الحرب ،ووقف عملية التهجير لسكان غزة، ومنح الأمم المتحدة ومنظماتها عملية توزيع المساعدات وذلك حتى يتمكن من تمرير خطته، فعقد اجتماعا مع المسئولين العرب والمسلمين لوضع اطار عام لانهاء الحرب فى غزة، وأدخل نتنياهو ووزيره رون ديرمر بحضور ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر تعديلات على هذه الخطة بما يتيح تحقيق بعض الأهداف الاسرائيلية من الحرب.
من مصلحة جميع الأطراف انجاح المسار المنصوص عليه فى خطة ترامب، خاصة فى مرحلتها الأولى، وان كانت اسرائيل قد عارضت الافراج بموجب الصفقة عن قوات النخبة لحماس التى شاركت فى احداث 7 اكتوبر والذى يتعدى عددهم 2400 وذلك بموجب قانون فى اسرائيل صدر عام 2002 يصنفهم تحت بند مقاتل غير شرعى ،لايسمح باخراجه من السجن فى عملية تبادل، وبعض الأسماء من القيادات الفلسطينية التى اعترضت عليها الأجهزة الأمنية الاسرائيلية باعتبارها قيادات لها دور فى الوعى الفلسطينى وقد تكون مصدر قلاقل لهم فى المستقبل بالاضافة الى عدد آخرين متهمين بقتل اسرائيليين وترفض اسر القتلى الاسرائيليين الافراج عنهم (حيث توجد فى اسرائيل منظمة تسمى اختر الحياة تضم الاسر الثكلى الذين تعرض ذووهم للقتل على يد فلسطينيين ولهم الحق فى الاعتراض على اطلاق سراحهم) الا أن هناك بعض العقبات التى ستواجه عند التحرك إلى المرحلة الثانية، خاصة مع رفض الفصائل الفلسطينية مسألة الوصاية على غزة من تعيين مجلس سلام برئاسة ترامب ويساعده تونى بليرلفترة زمنية قد تتجاوز السنوات الخمس، وموضوع نزع سلاح حماس، ومستقبل حماس فى غزة، وعدم وجود جداول زمنية للأنسحاب الاسرائيلى من غزة، وغيرها حتى أن بعض المحللين الاسرائيليين وصفوا الخطة بأنها مليئة بالثقوب، وان كل ملف منها يتطلب العديد من التفاصيل.
ويثار التساؤل حول ما اذا كان نتنياهو يعتزم ايجاد مخرج من الالتزام بهذه الخطة فى المراحل التالية، ويمكن القول أن لنتنياهو سوابق فى هذا النهج فقد سبق أن عطل صفقات بدعاوى مختلفة وبدعم امريكى، كما أنه يترأس حكومة عقائدية ويرغب فى استمرار حكمه، كما ان ايقاف الحرب يعنى انتهاء دوره، وائتلافه والحكم عليه. ومن المرجح أن ينتهز نتنياهو الزخم الناتج عن اطلاق سراح الرهائن، فضلا عن حربه مع ايران والتى رفعت اسهمه فى استطلاعات الرأى وتغلبه على حزب الله، فى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، حيث تفيد المعلومات انه كلف احد وزرائه فى الليكود للاعداد لاجتماع حزب الليكود فى الايام المقبلة لاعادة ترشحه لقيادة الحزب وتعزير قيادته له فى ضوء ظهور بعض الأصوات المعارضة له فى الداخل بالاضافة الى سعى المعارضة واجتماعاتها لازاحته من منصبه، الأمر الذى يمهد له الأرضية لتقديم موعد الانتخابات فى الدولة، مع اعادة تشكيل الأوضاع بضم احزاب اليمين المتطرف فى كتلة انتخابية واحدة لضمان أن تتعدى نسبة الحسم المطلوبة للانضمام للكنيست ( 3,25%) وتشجيع اصدقائه المقربين للدخول بأحزاب جديدة ومن بينهم رئيس الموساد السابق يوسى كوهين لدعم الائتلاف الذى يسعى الى تكوينه. وعلى الجانب الآخر يتخوف رئيس الوزراء السابق نفتالى بينت من امكانية دخول نتنياهو فى حرب مع ايران لكى يتمكن من تأجيل الأنتخابات المقرر عقدها فى اكتوبر 2026 بدوافع امنية، ويهدد بعدم السماح بذلك، كما انه يرغب فى قصر مدة حكم أى رئيس وزراء مقبل لاسرائيل الى مدتين فقط، وسيتقدم فى الكنيست المقبل بمشروع قرار لتحقيق ذلك . والأمور كلها مفتوحة على تحركات فى الداخل الاسرائيلى ستتكشف ابعادها فى الفترة المقبلة.