سيذكر التاريخ يومًا أن بيننا بشرًا درسوا الطب والإعلام وكافة مجالات الحياة، لكنهم اجتمعوا على عدوٍّ واحد أسموه «قضية أمن قومي»، فحارَبوه بكل ما يملكون من أدوات؛ بالتحريض، وبأبواق إعلامية، وبآراء بعض الشيوخ، وبكراهية من لا يعرفون الرحمة بالحيوانات.
أحيانًا أتخيل نفسي كلبًا مصريًا… وُلدت على أرضٍ لم أرَ فيها إلا الركل والسحل، والموت بالسم أو الضرب حتى الهلاك. لم أعرف من السيارات سوى المطاردة، ولا من الأطفال سوى الصراخ والركض خلفي بالحجارة. لم أفهم يومًا لماذا يستكثرون علينا الحياة!
نشأت في قطيع صغير، مع أمي وإخوتي. رأيت بعيني وأنا جرو صغير كيف قُتلت أمي أمامي، وكيف حُمل إخوتي في “شوال” وأُلقي بهم في صندوق قمامة كبير، لا أعلم إلى أين ذهبوا. أما أنا فاختبأت خلف صندوق خشبي أرتجف من الخوف، حتى ساق الله إليّ إنسانًا طيبًا، كان يطعمني من بقايا طعامه كلما استطاع. لم أنسَ له فضله، وكنت أفرح كلما رأيته، لا طمعًا في الطعام، بل شوقًا إلى العطف الذي منحني إياه.
لكن لم يحظَ الجميع بمثل حظي، فمعظم الكلاب لم يعرفوا إلا القسوة، فصاروا يهابون الإنسان وينبحون دفاعًا عن أنفسهم، لا عدوانًا، بل فطرة بقاء.
كبرتُ بفضل الله وعطف الطيبين، ورددت الجميل بحمايتهم، فذلك ما جُبلنا عليه؛ الوفاء لمن أحسن إلينا.
ثم جاءت الأيام بأقسى ما فيها.. لم يكتفِ بعض البشر بمحاربتنا، بل حاربوا من أحبونا وأطعمونا. بدلًا من معالجة تكاثرنا بالعلم، لجؤوا إلى السمّ، واتهمونا زورًا بأننا خطرٌ على الناس. نعم، أعلم أن بعض البشر يخافوننا، لكنهم ينسون أننا نخافهم أكثر. نحن لا نؤذي إلا حين نخاف، ونحن جزء من دورة الحياة التي خلقها الله.
كنّا نعيش على أطراف المدن والحقول، نأكل من خشاش الأرض، حتى ضيّق العمران علينا كل مساحة. لم يبقَ لنا سوى أكوام القمامة، وبعض القلوب الرحيمة التي ترمي لنا بقايا الطعام. ننتظر أيامًا طويلة دون أمل، ثم نفرح بقطعة لحم صغيرة كأنها عيد.
لكن الخوف لا يغيب
الخوف من اللقمة المسمومة التي يضعها الإنسان في طريقنا. نأكلها جوعًا وثقةً في من يقتلنا، فنموت على الطرقات بأمعاء ممزقة وأعينٍ لا تزال تبحث عن الأمان.
ثم تُلقى علينا التهم. يقولون إننا سبب الخطر، وإننا نهدد الأطفال. يقتلون المئات لأن كلبًا واحدًا أخطأ. يمنعون من يطعمنا بحجة أن بعضهم جمع التبرعات زورًا. فهل يُعاقَب الجائع بذنب اللص؟
نحن لا نطلب إلا أن تُترَك لنا فسحة من رحمة الله
الله لم يخلقنا عبثًا، أليس بفضل كلب دخل رجل الجنة لأنه سقاه شربة ماء؟ ألا تحتاجون أنتم إلى رحمةٍ كهذه تنجيكم؟
نحن نحرس بيوتكم ليلًا، نرعب اللصوص بصوتنا، نحرس السيارات في الشوارع المظلمة، بينما أنتم تنامون آمنين لا تعلمون ما نمنع عنكم من شرور البشر.
تعبنا من الحياة مثلكم، وربما أكثر، لكننا تعلمنا التكيّف والصبر. لا نطلب علاجًا ولا مأوى، فقط اتركوا من رحمهم الله في قلوبهم يطعموننا. فحين ضاقت الحياة على الإنسان، ضاقت علينا أيضًا.
نعلم أن العالم صار قاسيًا، وأن الناس أرهقتهم المشكلات، لكننا الطرف الأضعف في معارككم.
نحن أمم مثلكم
نُحب ونخاف ونتألم.. لسنا غرباء عن الأرض، نحن شركاؤكم في الطبيعة التي أفسدتموها. فلا تنتقموا منا بسبب قسوتكم، ولا تُسقطوا علينا خطاياكم.
فنحن… فقط نريد أن نعيش.