الإنسان يميل بطبعه إلى الجمال فى مختلف صوره وأشكاله، وقد جاء الإسلام ليؤصل هذا الميل الفطرى لدى الإنسان، ويعطيه بُعداً دينياً وفقهياً عميقاً يضبط استمتاع الإنسان بالجمال ويوضح المنفعة المترتبة على ذلك فى الدنيا والآخرة.
الجمال فلسفة وعلم وفن وحضارة وعمل، فهو عند الفلاسفة: علم تجارب الشعور أو علم تجارب الإحساس، شقيق المنطق، وبحث عن الحكمة، فالجمال من أكثر المعارف مثالية. وعند الفنانين: قيمة مرتبطة بالغريزة والعاطفة والشعور الإيجابي، ليعطى معنيً للأشياء الحيوية، وليس له وحدة قياس فكل إنسان يراه بشكل مختلف. وعند العلماء: شعور وتعلّق بالوجدان والمشاعر، وعند المختصين بالحضارة يختص بالشكل الخارجى للأبنية والفراغات العمرانية والأثرية وأسس النسيج البصري. وعند آخرين هو العمل المؤدى للسعادة أو هو فكرة ملاءمة الشيء للعمل الذى أُريد له أن يؤديه. واختصره البعض فى ان الجمال هو الخير، وعند غيرهم مرتبط بالروح التى هى مصدر الجمال، وهى التى تجعل للأشياء، حتى الأجسام، الحق فى أن تسمى جميل، فالجمال عند البلغاء والأدباء هو ما يؤنس وحشة الروح. كما ان الجمال كعمل هو الإخلاص.
باختصار الجمال قوة غامضة تستولى على النفس وتمثل دافعاً لها، وهى متغير له علاقة بالثقافة والدين والحضارة، وهو درجات متفاوتة وله مقاييس مختلفة وابعاد متعددة ومستويات متعددة: بعد حسى وبعد عقلى وبعد روحى وبعد منفعى وبعد قيمي، وظرف زمانى ومكاني، ومستوى خارجى وآخر داخلي.الخ. وهى نعمة كبرى ومن العواطف التى طبع عليها الإنسان، وأودعها الله تعالى فى روحه الميل إليها، وجبله على طلبها فى كل زمان ومكان. والجمال صفة ثوتية لله جل فى علاه كما جاء صريحاً فى الحديث النبوى الشريف: «إن الله جميل يحب الجمال»، والجمال جمال فى كل شيء، فهو جمال فى الذات المقدسة، وجمال فى الصفات الكاملة والأسماء الحسني، جمال فى الأفعال، وجمال فى الصنعة أي: الأفعال، جمال مطلق. ووردت مشتقات لفظ الجمال فى القرآن الكريم 7 مرات بصيغ مختلفة.
جبل الإنسان على حب الجمال، والتأثر به، والبحث عنه. فالجمال فى القديم، وفى الحديث هو شغل الإنسانية الشاغل، والبحث عنه لأسباب كثيرة دائم ومتواصل. ومن فضل الله على خلقه أن جعل صور الجمال عديدة، وألوانه كثيرة متعددة ، فإذا أردنا أن نعرف مدى فضل الله الكريم على هذا الوجود فلنتأمل إبداعه للجمال فيه. وخلو الحياة التى نحياها من الجمال يسبب الفزع والخوف ويفقد البشر القدرة على الحب والأمل، وتعد من أخطر لحظات الضعف التى قد تنتاب الإنسان، فعندما يفقد الاحساس بالجمال، ينطلق بالتحطيم لكل شيء حتى نفسه، والتخريب لكل شيء مهما كان غالياً أو نفيساً، لأن الشعور والاحساس والإدراك والوعى بالجمال، يجعلنا نرى كل شيء فى الوجود جميلاً، والعكس صحيح، لأن الجمال هو الحياة التى لها قيمة ولها معني. وقيمة الجمال فى الوجود جوهريه، والاحساس بالجمال معناه السعادة، ومعناه الأمل فى القادم بإذن الله، ومعناه الحياة المشرقة المفعمة بالبهجة والخير والسرور. والجمال بشتى تلويناته وأنواعه ومصادره فى الفن والموسيقى والسينما والفن التشكيلى والكتاب وكل مصادر المعرفة والتحضّر هى ما يجب استعادته وبثه بكل الطرائق، لأنه الوسيلة الوحيدة لاستمرار الإنسانية وعدم تدمير الإنسان لنفسه وبيئته، أو كما يقول العظيم ديستويفسكى بلهجة يقينية وبعبارة تختزل الكثير من العمق والفكر: «الجمال سيصون العالم». فمن لا يتذوق الجمال يمكن ان يهدم ويدمر بلا رادع. ومن ثم فعلينا ان ننمى فى ذاتنا وبيئتنا وكل ما يحيطنا من العناصر الجمالية ما يصون الحياة.