تكتسب زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى مصر، المقترحة لحضور توقيع اتفاق وقف الحرب الإسرائيلية على غزة فى شرم الشيخ، أهمية استثنائية وعميقة تتجاوز مجرد الاحتفال بانتصار دبلوماسي، بل تمثل إقراراً دولياً بمكانة مصر كـنقطة ارتكاز للسلام الإقليمي، وضامنة لجهود التهدئة التى لا يمكن لأى طرف إغفالها، إذ تأتى هذه الدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى بعد جولات مفاوضات مضنية استضافتها شرم الشيخ ونجحت فى التوصل إلى اتفاق مبدئى لوقف إطلاق النار وتبادل الأسري، لتجسّد الزيارة المتوقعة للرئيس ترامب عدة أبعاد إستراتيجية: أولاً: هى رمزية دبلوماسية عليا تُضفى على الاتفاق ثقلاً وضمانة دولية غير قابلة للتراجع، فوجود زعيم أقوى دولة فى العالم لتوقيع الاتفاق يعنى أن الإدارة الأمريكية تضع كامل ثقلها خلف التفاهمات التى تمت بوساطة مصرية، مما يزيد من فرص التزام جميع الأطراف، خاصة الطرف الإسرائيلي، ببنود الاتفاق ويعزز من استدامة وقف إطلاق النار وعدم انهياره كما حدث فى جولات سابقة، فالتوقيع على الأراضى المصرية، وبحضور الأطراف الرئيسية والوسيط الأمريكي، يحوّل الاتفاق من مجرد هدنة تكتيكية إلى وثيقة سلام دولية برعاية واشنطن والقاهرة، ويعتبر تتويجاً للشراكة الإستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة فى إدارة ملفات الشرق الأوسط الساخنة.
وثانياً: تحمل الزيارة أهمية قصوى لـتمهيد الطريق للمرحلة التالية من التسوية السياسية، فالقاهرة تدرك أن يكون وقف إطلاق النار مجرد خطوة أولي، ولذلك جاءت دعوة السيسى لترامب مترافقة مع التأكيد على أن توقيع الاتفاق فى مصر سيعطى فرصة أكبر بكثير لتطبيق حل الدولتين، فزيارة ترامب ستمهد لبدء مناقشات جادة حول اليوم التالى للحرب، وتشمل خطط إعادة إعمار غزة التى تحتاج إلى تمويل دولى ضخم، وكذلك ضرورة توحيد الموقف الفلسطينى وإطلاق مسار سياسى يفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية، ووجود الرئيس الأمريكى على أرض مصر يعزز من قدرة القاهرة على قيادة هذه الحوارات والتأثير فى مخرجاتها، خاصة وأن مصر أعلنت بوضوح رفضها لأى مخططات لتصفية القضية أو التهجير القسري، وستكون الزيارة فرصة لبلورة رؤية مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى على المدى الطويل. ثالثاً: تعد الزيارة انتصارا للدبلوماسية المصرية وتقديرًا لدورها الجوهري، حيث كانت مصر هى صاحبة المبادرة والمضيف لجولات المفاوضات الأكثر حساسية وتعقيداً، بما فى ذلك التحديات المتعلقة بعبور المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، فإشادة ترامب العلنية بجهود الرئيس السيسى وإعلانه دراسة زيارة مصر تأتى كـاعتراف رسمى أمريكى بأن مصر هى الطرف الإقليمى الفاعل والأكثر تأثيراً فى أى معادلة أمنية أو سياسية تخص قطاع غزة والمنطقة، وهو ما يؤكد مكانة القاهرة كقوة استقرار إقليمية وعربية، ويُعزز من موقفها فى الدفاع عن مصالحها القومية العليا، لاسيما فيما يتعلق بحدودها الغربية وتأمينها. رابعاً: من شأن الزيارة أن ترسل رسائل طمأنة قوية للشارع الفلسطينى والعربي، وتُعزز من شرعية وقوة الاتفاق، فالحضور الأمريكى رفيع المستوى فى مصر، جنباً إلى جنب مع الجهود المصرية، يدل على جدية التعهدات بوقف إطلاق النار، ويعكس تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لإنهاء العدوان والالتزام بالحلول الدائمة، وبالتالى فإن زيارة ترامب إلى مصر، لن تكون مجرد حدث بروتوكولي، بل هى تتويج تاريخى لجهود دبلوماسية مكثفة، وإشارة واضحة إلى أن مفتاح السلام يمر حتمًا عبر القاهرة، وهى خطوة ضرورية للانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة بناء الاستقرار والبدء بمسار سياسى عادل وشامل.