منذ اللحظة الأولى لنشوء الصراع العربى الإسرائيلي، كانت مصر فى مقدمة الصفوف المدافعة عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. لم يكن دعمها مجرد موقف سياسي، بل كان واجباً قومياً وأخلاقياً امتزج بدماء أبنائها الذين خاضوا الحروب من أجل تحرير الأرض وحماية الهوية العربية.
فمن حرب 1948 مروراً بـعدوان 1956 وحرب يونيو 1967، وصولاً إلى نصر أكتوبر 1973، ظلّت القاهرة حائط الصد الأول أمام محاولات طمس الهوية الفلسطينية، وسنداً دائماً فى كل مفاوضات السلام التى أعقبت الحروب.
مصر لم تنظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها شأناً خارجياً، بل اعتبرتها قضية أمن قومى عربي، وامتداداً طبيعياً لقضيتها المركزية فى الدفاع عن العدل والاستقرار فى الشرق الأوسط. ولهذا لم تتخلَّ مصر عن دورها التاريخى فى التوفيق بين الفصائل الفلسطينية، وإعادة اللحمة الوطنية، والسعى نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
من كامب ديفيد إلى شرم الشيخ.. سلام يحمى الحق
عندما وقعت مصر اتفاق كامب ديفيد عام 1978، كانت تهدف إلى فتح باب السلام العادل، وليس التخلى عن القضية الفلسطينية كما حاول البعض ترويج ذلك فى حينه. فقد أكدت القاهرة أن السلام الحقيقى لا يتحقق إلا بردّ الحقوق إلى أصحابها.
ومنذ ذلك الحين، ظلت الدبلوماسية المصرية تتحرك فى كل المحافل الدولية، لتؤكد أن أى حل دائم فى المنطقة يجب أن يمر عبر الاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
واليوم، ومع اتفاق شرم الشيخ للسلام الذى يُعد امتداداً طبيعيّاً لتاريخ مصر الدبلوماسي، نجد أنفسنا أمام كامب ديفيد جديدة ـ أو ما يمكن تسميته بـ «كامب ديفيد ٢» ـ لكنها فى ثوب أكثر نضجاً ووعياً بمتغيرات الواقع الإقليمى والدولي.
فالاتفاق جاء فى لحظة حرجة تمر بها المنطقة، حيث تتشابك الأزمات السياسية والإنسانية فى الأراضى الفلسطينية، ليؤكد مجدداً أن مصر هى القلب النابض للسلام، والعقل الحكيم الذى يجمع الأطراف المتصارعة على كلمة سواء.
اتفاق شرم الشيخ.. تتويج لدبلوماسية السلام المصرية
اتفاق شرم الشيخ لم يكن وليد لحظة أو استجابة طارئة لأزمة عابرة، بل كان نتيجة مسار طويل من الجهود المصرية المتواصلة فى رعاية الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفى دعم الجهود الإنسانية لإغاثة المدنيين، ووقف نزيف الدم فى غزة والضفة.
لقد استطاعت مصر أن توازن بين الواقعية السياسية والثوابت القومية، وأن تفرض على المجتمع الدولى احترام رؤيتها القائمة على أن السلام لا يعنى الاستسلام، بل هو شجاعة الحفاظ على الحقوق فى إطار من التفاهم والعدالة.
فى شرم الشيخ، كانت مصر هى الدولة التى جمعت المتناقضات على طاولة واحدة، لتعيد التذكير بأن العقل المصرى قادر على تحويل الأزمات إلى فرص.
فبينما يشتعل الإقليم بالتوترات، كانت القاهرة تُعيد إلى العالم أملاً فى مستقبل أكثر استقراراً، يُبنى على أسس الحوار والاحترام المتبادل، وليس على منطق القوة والسلاح.
الرئيس السيسى.. قائد ملحمة السلام الحديثة
فى قلب هذه الملحمة يقف الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى استطاع أن يُعيد إلى الدبلوماسية المصرية زخمها وتأثيرها الإقليمى والدولي.
منذ توليه الحكم، تبنّى الرئيس السيسى رؤية شاملة للسلام فى الشرق الأوسط، تقوم على دعم الدولة الوطنية، ومحاربة الإرهاب، وإحياء مسار التسوية السياسية للقضية الفلسطينية.
لم يكن تحرك السيسى مجرد مبادرة دبلوماسية، بل كان إستراتيجية متكاملة تستند إلى قناعة بأن استقرار المنطقة يبدأ من تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
ومن خلال قنوات الاتصال المفتوحة مع كل الأطراف، والوساطة النزيهة التى تحظى بثقة العالم، نجحت مصر فى إعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الدولى بعد سنوات من الجمود.
الرئيس السيسى أكد فى أكثر من مناسبة أن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن مصر لن تتخلى عن دورها كداعم رئيسى لحل الدولتين، وضامن لتحقيق الأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة.
وهو ما تجلى بوضوح فى مبادراته الإنسانية والسياسية، من فتح معبر رفح للإغاثة إلى إطلاق الدعوات الدولية لوقف التصعيد، مروراً بـجهوده المباشرة فى جمع القيادات الفلسطينية على كلمة واحدة.
مصر.. صانعة التوازن وحارسة السلام
اليوم، وبعد مرور عقود على بداية الصراع، لا تزال مصر هى الجسر الذى يربط بين الشرق والغرب، وبين القوة والعقل.
فهى الدولة التى لم تفرط فى حق عربى واحد، وفى الوقت نفسه لم تتخلَّ عن التزاماتها تجاه السلام العالمي.
واتفاق شرم الشيخ ليس سوى حلقة جديدة فى سلسلة طويلة من المبادرات المصرية التى تؤكد أن القاهرة كانت ـ وستظل ـ صوت العقل والحكمة فى عالم مضطرب.
وفى النهاية، يمكن القول إن مصر، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، قد جسّدت من جديد روح أكتوبر فى ساحة السياسة، حيث الشجاعة لا تكون فقط فى ميادين القتال، بل أيضاً فى صناعة السلام، وإعادة الأمل لشعوب أنهكها الصراع.
إنها حقاً ملحمة السلام المصرية التى تستحق أن تُسجل فى التاريخ كامتداد مشرق لدور مصر الخالد فى نصرة الحق والعدل فى فلسطين والعالم العربى.