فى شوارع الإسكندرية وأحيائها الشعبية، يتردد اسم جمال الدولى كأيقونة للهوية المحلية، ورمز للجرأة فى التعبير عن الانتماء والعشق للوطن والنادى.
لم يكن جمال مجرد مشجع رياضى، بل حالة فريدة من الانتماء الصادق، تجاوز بها حدود المدرجات إلى عمق الوعى الجمعى لأبناء الثغر.
ترعرع جمال فى الإسكندرية، وحصل على ليسانس الآداب، لكنه اختار لنفسه طريقاً مختلفاً عن النمط التقليدى للنجاح والشهرة. عشق نادى الاتحاد السكندرى حتى النخاع، وجعله جزءاً من كيانه الشخصى، إلى الحد الذى دفعه فى عام 1994 إلى تصرف غير مألوف خلال مباراة كرة سلة بين الاتحاد والأهلى، حين شعر بظلم تحكيمى ضد فريقه، فنزل أرض الملعب عارياً ممسكاً بكأس البطولة فى مشهد أثار دهشة الجميع، وسجّل اسمه فى ذاكرة الرياضة المصرية كرمز للاحتجاج العفوى والانفعال الصادق.
لم تتوقف قصة جمال الدولى عند هذا الحد، فقد سافر بعد الحادثة إلى فرنسا، حيث منح هناك لقب «أسوأ مشجع فى العالم» ضمن موسوعة جينيس، وتسلم جائزة مالية قدرها 13 ألف دولار، تبرع بها بالكامل لنادى الاتحاد السكندرى، تأكيداً لأن عشقه للفريق لم يكن بحثاً عن شهرة أو مكسب، بل تعبير عن انتماء حقيقى وولاء نادر.
قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعى، كان جمال من أوائل من مارسوا «المدوّنة الجدارية»، إذ كتب على جدران الإسكندرية عبارات أصبحت جزءاً من تراث المدينة، يجمع فيها بين الدعابة والاحتجاج، وبين الحب والرفض. كانت جدرانه منابر تعبير حر، تارة يعلن فيها ترشحه لمجلس النواب، وأخرى يكتب «مدد مدد الاتحاد سيد البلد».
تعبيراته تحولت إلى شعار اجتماعية وسياسية ورياضية لأنها تجاوزت حدود الدعابة إلى جوهر النقد الوطنى، متسائلة عن القيمة التى نمنحها للوطن حين نحوّله إلى سلعة، لقد استخدم جمال الجدار كمنصة للمحاسبة الشعبية، بلغة يفهمها الناس ويؤمنون بها، فكان صوته صدى لوعى جمعى يبحث عن العدالة والكرامة والانتماء الحقيقى.
تحولت شخصية جمال الدولى إلى رمز للبساطة والمواجهة، فهو المشجع الذى أصبح مفكراً شعبياً، والساخر الذى حمل همّ المدينة والوطن، وعبّر عنه بصدق أكثر من كثير من الخطب الانتخابية أو المقالات الأكاديمية.
امتلك جمال قدرة نادرة على المزج بين الفكاهة والجد، فكانت كلماته تضحك الناس وتوقظهم فى الوقت ذاته، وتجعل من كل جدار مساحة للتفكير، ومن كل عبارة مشروع وعى اجتماعى.
ومع مرور السنين، حين خفت صوته وغاب عن المدرجات، ظل أثره باقياً فى ذاكرة المدينة. تردد عباراته على جدران الثغر، ويذكره الناس فى المقاهى والأسواق كلما شعروا بالحنين إلى زمن كان فيه الانتماء أصدق والتشجيع أنبل.
لم يكن جمال الدولى مجرد «صاحب المدرجات»، بل منارة تذكّر بأن الوطن لا يُقاس بالمتر، وأن الانتماء لا يُشترى، وأن الحلم لا يعيش إلا فى القلوب الصادقة التى تؤمن بأن «الاتحاد سيد البلد» وأن مصر تستحق الحب كما تستحق الدفاع عنها.