لا يمكن ترك تلك الذكرى المجيدة دون الحديث عنها.. فهى ستظل محفورة فى ذاكرة المصريين أبد الدهر، لأنها ضربت أروع الأمثلة فى العزة والكرامة والتأكيد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.. ستظل المناسبة محل افتخار لنا وللأجيال القادمة ليعرفوا أن مصر أرض الانتصارات والبطولات من أيام الفراعنة وللآن.. فكم من جيوش تم دحرها وتلقينها دروساً فى فنون القتال والعزيمة، وتاريخنا يشهد على ذلك.
أقول ذلك بمناسبة نصر أكتوبر 1973، الذى مر عليه 52 عاماً لقن فيه أبطالنا الأشاوس العدو الإسرائيلى درساً لن ولم يتم نسيانه.. فبفضل التخطيط والإعداد الجيد تم العبور وتحرير سيناء بعد تحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر ونسف خط بارليف المنيع الذى أعتقد الإسرائيليون أنه لا يمكن اختراقه ودك حصونه المنيعة بأى شكل من الأشكال.. ولكن فوجئوا بأبطال لا يعرفون المستحيل يحطمونه ويعبرون إلى الضفة الشرقية لقناة السويس فى 6 ساعات فقط.
ولمن لا يعرف، لا يمكن الوصول إلى ذلك مع عدو تسانده أعتى جيوش العالم ألا وهى أمريكا.. إلا بتوحيد الجبهة الداخلية وبخطط الخداع الإستراتيجى، الذى كان أحد أهم أسباب النصر العظيم.. لذا كان وقع الانتصار كالصاعقة أذهلت العدو وأبهرت العالم.. ومن خطط هذا الخداع، الشفرة النوبية التى كان صاحبها البطل أحمد إدريس، وهو أحد أبطال أكتوبر وما أكثرهم.. فقد أشار الرقيب فى سلاح حرس الحدود وقتها على قيادته إلى استخدام اللغة النوبية باعتبار أنه نوبى كشفرة غير معروفة لدى العدو لكونها لغة ينطق بها أهل النوبة فيما بينهم وغير مكتوبة، بعدما علم من رؤسائه بوجود بعض المشاكل فى عملية «فك الشفرات» التى يتم استخدامها فى الحروب بشكل عام وإمكانية التقاط تلك الشفرات باللغات الحية المعروفة بين القادة والجنود.. الأمر الذى رحب به الرئيس الراحل أنور السادات وأمر باستدعاء هذا البطل النوبى وكلفه بالتدريب عليها والاستعانة ببعض النوبيين مع التأكيد عليه عدم الإفصاح عن ذلك مهما كان الأمر.
صراحة، كانت تلك الشفرة الإدريسية من أسباب النصر وخطط الخداع الإستراتيجى، لأن العدو عجز عن فك شفراتها بكل الوسائل الاستخباراتية.. الأمر الذى ساهم بشكل كبير فى تمرير التوجيهات والتحركات والتواصل بين القادة والجنود فى ميادين المعركة الحاسمة.. وهذا يعنى اهتمام القيادة العليا بأى مقترحات تأتيه حتى من أصغر الرتب العسكرية، ودليل على القدرة الكبيرة على التكتم لضمان تحقيق النصر.. وقد كان بفضل خطط الخداع الإستراتيجى التى وضعها السادات، ومنها تسريح 30 ألف جندى وفتح باب العمرة ونشر شائعات بغرق صوامع القمح التى أغرقتها الأمطار وانتشار فيروسات بالمستشفيات، كرسائل بأن القيادة العليا مشغولة بتلك الشائعات، وأنه لا تفكير فى حرب من الجانب المصرى، وكذلك اتخاذ إجراءات لتضليل العدو، مثل الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية اللواء حسنى مبارك وقتها إلى ليبيا فى 5 أكتوبر أى قبيل العبور بساعات وتوجيه ٣ قطع بحرية إلى أحد موانئ دولة باكستان لإجراء أعمال الصيانة الدورية لها، ناهيك عن توفير المعلومات السرية عن العدو وتضليله عن طريق المخابرات العامة أمثال أشرف مروان، ورفعت الجمال «رأفت الهجان» الذى تم زرعه داخل إسرائيل لسنوات دون أن يعلموا وغيرهم من الأبطال الذين ساهموا فى نصر أكتوبر.
الحقيقة، نصر أكتوبر لم يتحقق إلا بالاستعداد الجيد وبالسرية التامة وبوسائل الخداع، لدرجة أن الكثير من جنودنا لم يعلموا شيئاً عن ساعة الصفر والعبور إلا ظهيرة يوم السادس من أكتوبر، الذى توافق مع العاشر من رمضان، حيث الصيام الذى يعد بمثابة الدافع المعنوى والروحى فى القتال، مثلما كان يفعل أجدادنا البواسل فى الماضى.. لذا كان الاحتفال سنوياً بتلك المناسبة المجيدة وعمل برامج وندوات عبر وسائل الإعلام المختلفة لاطلاع الأجيال الجديدة على عظمة هذا الانتصار والتحفيز على السير فى نهجه واستخلاص الدروس المستفادة وبث العزيمة فى النفوس، وكى يظل الحديث عن بطولات جنودنا البواسل حاضراً ويتجدد مع كل جيد، وللتأكيد أن الجندى المصرى خير أجناد الأرض ولترسيخ عقيدة النصر والشهادة، ولكى نقف جميعاً درعاً وسيفاً نحمى الوطن.. هنيئاً لنا جميعاً هذا النصر، وعلينا الافتخار به أبد الدهر.
>> وأخيراً:
> نصر أكتوبر، مهدت له حرب الاستنزاف التى يطلق عليها حرب الألف يوم، عقب نكسة يونيو 1967 واستمرت حتى 1973، كبدت العدو خلال تلك السنوات الست خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات.
> موافقة فصائل المقاومة الفلسطينية على المقترح الأمريكى لإنهاء الحرب فى غزة، لاقت ترحيباً دولياً وجعلت العالم يتنفس الصعداء.
> أمين الأمم المتحدة يثّمن المساعى المصرية والقطرية للمساهمة فى إنجاز هذا الاتفاق التاريخى، الذى يتمنى الجميع الالتزام به أمريكياً وإسرائيلياً.
>مبروك لمصر اختيار خالد العنانى لليونسكو.