لقى الفوز الساحق الذى حققه الدكتور خالد العناني كمدير عام لمنظمة «اليونسكو» ارتياحا كبيرا فى الأوساط الثقافية والمجتمع الدولى وداخل أروقة المنظمة، خاصة بعد حصوله على 55 صوتاً من أصل 57 خلال تصويت المجلس التنفيذى للمنظمة مساء أمس الأول.
العناني، الذى فاز بالمنصب الرفيع خلفاً للفرنسية أودرى أزولاي، حدد خلال حواره مع مراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس -أن خدمته للمنظمة التى تهدف فى الأساس إلى المساهمة فى إحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم فى مجالات التربية والتعليم والثقافة، لن تقتصر على إدارة منظمة دولية، «بل ستكون التزاما بأن يجعل من اليونسكو بيتا يعبّر عن القيم المتنوعة لمختلف شعوب العالم، ويجعل من معاناتهم وأحلامهم جزءاً من الرسالة الإنسانية العالمية».
قال العنانى «اعتبر أن مسيرتى الأكاديمية والمهنية كانت وما تزال مصدر إلهام وتشكيل لرؤيتي، ليس فقط فى المجال العلمي، وإنما أيضًا فى الإيمان العميق بالدور الذى يمكن للثقافة والتعليم والعلوم أن تلعبه فى بناء السلام وتعزيز التفاهم بين الشعوب.. ومنذ بداياتى كأستاذ جامعى ثم باحث متخصص فى علم الآثار والتاريخ، أدركت أن المعرفة ليست حكراً على النخبة، وإنما هى أداة تمكين للمجتمعات كافة.. عملى الأكاديمى علّمنى قيمة الدقة العلمية والالتزام بالمنهجية، فيما منحتنى تجربتى الوزارية القدرة على تحويل هذه الرؤى إلى سياسات عملية قابلة للتنفيذ، تستند إلى الحوار والتعاون الدولي».
قال «رؤيتى تقوم على إن اليونسكو لا يمكن أن تحقق رسالتها إذا عملت كل دولة بمعزل عن الأخري، بل من خلال التضامن والتعاون الحقيقي.. لذلك سأحرص على أن تكون إدارتى قائمة على حسن الاستماع، التشارك، وبناء توافقات تضمن أن يشعر كل عضو أن صوته مسموع وأنه شريك فى صنع القرار».
لفت إلى أنه سيعمل على عدة مسارات، أهمها التقارب والشراكات عبر تعزيز التعاون جنوب- جنوب، بحيث تصبح اليونسكو منصة لتبادل الخبرات بين الدول العربية والافريقية، وإبراز نجاحاتها كنماذج عالمية، فضلاً عن إبراز الصوت المشترك من خلال تعزيز دور المنظمة فى مساعدة الدول الأعضاء على مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، الهجرة، حماية الهوية الثقافية، والحق فى التعليم، بحيث لا تكون هذه القضايا هامشية بل فى صدارة الأجندة الدولية.
قال العنانى: «خدمتى لن تقتصر على إدارة منظمة دولية، بل ستكون التزاماً بأن أجعل من اليونسكو بيتاً يعبّر عن القيم المتنوعة لمختلف شعوب العالم، ويجعل من معاناتهم وأحلامهم جزءاًً من الرسالة الإنسانية العالمية».
قال إن ما يميز هذه المنظمة اليونسكو هو شموليتها واتساع ولايتها عبر التعليم، الثقافة، العلوم، والاتصال، وهو ما يتقاطع تماما مع مسيرتى الأكاديمية والمهنية.
أعرب عن تطلعه فى أن يسهم من خلال هذه التجربة المتكاملة فى تعزيز حضور اليونسكو على الأرض، وجعلها أكثر قدرة على الاستجابة للتحديات، وأقرب إلى تطلعات الدول الأعضاء وشعوبها.
فى رؤيته «اليونسكو من أجل الشعوب»، أبدى العنانى اهتماماً كبيراً بالتعليم، وهو ما أكده قائلاً: «التعليم هو الركيزة الأساسية لأى تنمية حقيقية، ولهذا جعلته فى صميم رؤيتي.. عندما أقول «شعوب قادرة على الفعل من خلال تعليم عالى الجودة»، فأنا أؤكد أن التعليم ليس مجرد حق أساسي، بل هو أداة للتمكين وبناء القدرات وتحقيق العدالة الاجتماعية».
أشار إلى تصوره لتعزيز دور اليونسكو فى هذا المجال والذى يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية: تقليص فجوة عدم المساواة فى التعليم، عبر دعم الدول النامية والأقل نمواً ببرامج مبتكرة لتوسيع الوصول إلى التعليم الأساسى والثانوى والعالي؛ والتحول الرقمى والتكنولوجيا، مع الاستثمار فى البنية التحتية الرقمية وتدريب المعلمين على الأدوات التكنولوجية الحديثة؛ و»التعليم من أجل المستقبل»، مع التركيز على مهارات القرن الحادى والعشرين مثل الإبداع، الابتكار، التفكير النقدي، وقيم التسامح والتنوع الثقافي.
أضاف «بهذه الرؤية، أسعى لأن تكون اليونسكو الحاضنة العالمية لإصلاح التعليم، والقادرة على قيادة حوار دولى واسع وتحويله إلى برامج عملية ملموسة تدعم كل الدول الأعضاء دون استثناء».
فيما يخص التراث الثقافي، أبدى العنانى اهتماماً بإلغا بالحفاظ وحماية التراث الثقافي.. لفت العنانى إلى أن الثقافة فى جوهرها هى لغة مشتركة بين الشعوب، وإذا أحسنا توظيفها تصبح أداة قوية لتوحيد المجتمعات وتعزيز التفاهم والسلام.
قال «أرى أن دور اليونسكو يجب إن يركز على توسيع المنصات التى تجمع الثقافات المختلفة، سواء عبر برامج تبادل ثقافي، أو دعم الإبداع الفنى المشترك، أو الاستثمار فى الصناعات الثقافية التى تعكس تنوعنا الإنساني.. كما أن اليونسكو قادرة على أن تكون جسر حوار عالمي، من خلال مبادرات تستمع لكل الثقافات، خاصة الأصوات المهمشة، وتبرز ما يجمعنا بدل ما يفرقنا».
فى حوار آخر مع راديو فرنسا، حدد الدكتور العنانى أولوياته فى منصبه الجديد، قائلاً: «سأقضى الأيام الـ 100 الأولى فى اجتماعات فردية مع كل دولة من الدول الأعضاء، واجتماعات جماعية، واجتماعات مع شركاء اليونسكو، وأسرة الأمم المتحدة، والجهات المانحة، وشركات القطاع الخاص الكبري، وممثلى المجتمع المدني، ومناقشات مع أسرة اليونسكو».
أضاف: «أرغب حقا فى بناء قدر كبير من التضافر. إننى قادم من منطقة تمثل ملتقى ثقافيا. فأنا مصري، وعربي، وافريقي، ومتوسطي، ومواطن من الجنوب، ومواطن من العالم. أرغب حقا فى أن أكون جسراً ثقافياً».
وبسؤاله عن خططه لإدارة الوضع المالى الجديد لليونسكو بعد اعتزام الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من المنظمة عام 2026 ما يترتب عليه خفض ميزانيتها بنسبة 11٪.. قال العناني: «لدى خبرة فى هذا المجال لأننى لست قادماً من بلد غنى جداً. لقد أدرت وزارتين؛ السياحة والآثار، اللتين تم دمجهما معا. كما عملت كثيراً مع القطاع الخاص، ومع شركات كبيرة، لحشد الأموال وتوقيع اتفاقيات شراكة مع القطاع الخاص، وبالتالى مع الدول الأعضاء. وسأواصل هذه الجهود لطمأنة الجهات المانحة الحالية لمواصلة التعاون بل ولتقديم المزيد وجذب حكومات مانحة جديدة».
أضاف «أعتقد أن القطاع الخاص يمثل أولوية، ولكن مع الحفاظ على قيم «اليونسكو»، والتى لا ينبغى استغلالها تجارياً بشكل مفرط. وأعتقد أن هناك حلا وسطا يمكننا التوصل إليه مع أسرة «اليونسكو». أريد أن يكون لها تأثير على حياة الناس، معروف ومعترف به من قبل الناس متجاوزين بذلك الإطار الثقافي».
وعن كيفية قيام «اليونسكو» بدورها فى تعزيز السلام فى عالم تتزايد فيه الصراعات.. قال العناني: «ما دام الطالب أو التلميذ يدرس فى الكتب المدرسية أن جاره عدو له، فلن يكون هناك سلام، وأعتقد أن هذه هى البداية، من الطفولة. كما أعتقد أن عدم المساواة بين الناس على هذا الكوكب فى التعليم والعلم يولد الكراهية. للأسف، ينتشر خطاب الكراهية بكثرة فى الوقت الحالي، وأعتقد أن سبب وجود اليونسكو هو تقريب الناس بعضهم إلى بعض فالاتفاقيات الحكومية والسياسية تقرب الحكومات، بينما تقرب التربية والعلوم والثقافة والتواصل الناس بعضهم إلى بعض. أما دورها الثانى فهو يتمثل فى الحفاظ على التراث الطبيعى والثقافى للمدارس والمعلمين والصحفيين ومؤسسات البحث العلمى أثناء النزاعات، ثم فى مرحلة إعادة بناء النظم التعليمية والعلمية والثقافية للدول التى تمر بأزمات. وعندما أتحدث عن الأزمات، فالأمر لا يقتصر على النزاعات فحسب، بل يشمل أيضاً تغير المناخ، وخاصة بالنسبة للجزر الصغيرة».
مجلس الوزراء:
دعم الرئيس لـ«العنانى» كان فاعلًا فى فوزه بالمنصب الرفيع
بدأ مجلس الوزراء اجتماعه أمس بتوجيه التهنئة للدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار الأسبق بمناسبة فوزه بمنصب المدير العام الجديد لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» مؤكداً أن دعم القيادة السياسية ممثلة فى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى كان فاعلاً لمسيرة ترشح العنانى وصولاً لتقلده المنصب كأول مصرى وعربى وثانى افريقى يتولى رئاسة المنظمة الأممية المعنية بالتراث الإنساني
