د. على جمعه: رحيله فقدان لعلم عزيز وخلق كريم
حتى اللحظات الأخيرة.. كان يسجل أحاديث إذاعة القرآن الكريم من غرفة الرعاية المركزة

يوم الجمعة الماضى نشرت «الجمهورية» صفحتها الدينية عن علماء الأزهر الذين شاركوا فى تحقيق النصر أثناء حرب أكتوبر، وكان من بين الذين قمنا بالنشر عنهم د.أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار علماء الأزهر الذى شارك فى الحرب ساعيا إلى الشهادة حريصا على أن يكون من الشهداء فداء لوطنه، مشاركته فى حرب أكتوبر كانت من خلال وجوده مع الجنود لتثبيتهم معنويا، ودعم روحهم المعنوية، وحثهم على القتال والنصر، كان يرافقهم فى الخنادق والثكنات، وفى أماكن التحصينات، ويؤازرهم، متذكرا أنه كان يقف بأدب الجندية وسط الشهداء الأحياء، مفتخرا بصبره مع الجنود المصريين حينما رفضوا جميعا أن يستخدموا رخصة الإفطار فى نهار رمضان رغم مشقة الصيام وحاجة الحرب إلى كامل طاقتهم، حيث أجاب الجنود قائلين: «لا نريد أن نفطر إلا فى الجنة»، وقد كان من أبرز تصريحات الراحل عليه رحمة الله قوله: إن حربنا مع إسرائيل هى حرب فى سبيل الله، وأن الذى يموت فيها شهيدٌ وله الجنة، أما من تخلف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق..وتشاء الأقدار أن يرحل الجندى فى شهر النصر، شهر أكتوبر الذى حمل فيه السلاح دفاعا عن وطنه، وبعدما ارتفعت رايات العَلَمِ المصرى على الأرض التى باركها الله تعالي، انطلق إلى ميدان الجهاد الأكبر فى ميادين العلم والمعرفة دفاعا عن شريعة الله تعالي، مولده فى 6 فبراير 1941 بقرية بنى عامر مركز الزقازيق.. الدكتور أحمد عمر هاشم، واحد من أبرز علماء الدين، رمز وعلامة مميزة، كان بصمة فى حديثه، بصمة فى مواقفه، وتواضعه، ومحبته لكل من حوله، بصمة فى تلاميذه الذين بكوا فراقه.
تخرج د.عمر هاشم فى كلية أصول الدين جامعة الأزهر عام 1961، حصل على الإجازة العالمية عام 1967، ثم عُين معيداً بقسم الحديث بكلية أصول الدين، حصل على ماجستير الحديث وعلومه عام 1969، والدكتوراه فى نفس تخصصه، وأصبح أستاذاً للحديث وعلومه عام 1983، ثم عميداً لكلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987، وفى عام 1995 شغل منصب رئيس جامعة الأزهر، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 1992 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي، وجائزة النيل للعلوم الاجتماعية عام 2014 من المجلس الأعلى للثقافة.
والده العارف بالله الشيخ عمر ابراهيم إسماعيل محمد العزازى نسبا الهاشمى طريقة، وقد نشأ فى عزبة الشيخ أبوهاشم التابعة لقرية بنى عامر مركز الزقازيق محافظة الشرقية، وكان جده الشيخ إبراهيم من الأولياء، ومشهورا بأنه من أهل الخطوة معروفا بالتواضع والأدب والحلم والتسامح، ومما يؤثر عنه أنه كان يمتطى دابته فى رحلاته بين القرى لزيارة المريدين، وكان له خادم يصحبه فكان يقسم المسافة إلى ثلاثة أثلاث، ثلث يركب فيه، وثلث يركب الخادم، وثلث يسيران بجوار الدابة حتى يخففا عنها، وقد يتصادف دخوله القرية المقصودة بالزيارة والخادم فى نوبته والشيخ بجواره يسير على رجليه فلا يجد فى ذلك غضاضة لأن رحمته بالخادم والدابة أهم عنده من صورته أمام الناس، وكان والده سائرا على نفس الطريق فى المحبة والمودة والقربى من الصالحين، وزاد عدد مريديه الذين كان دائم الوصية لهم بالمحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم لقضاء الحوائج، والاستغفار، وكان والده شديد المحبة لآل البيت مداوما على زيارة أضرحتهم، يقوم الليل ويحافظ على الأوراد والأذكار والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وله مريدون فى محافظات الشرقية والدقهلية والقاهرة، وكان الشيخ عمر محباً للعلماء مقتفيا طريق الأحمدية الهاشمية وتمنى على ربه أن يرزقه ولداً يصبح من علماء الأزهر الشريف، فلما تزوج رُزق ببنتين، فنذر لله تعالى إن رزقه ولداً ليذبحن شاة كل عام يطعم بها زوار سيدنا الحسين رضى الله عنه، واستجاب الله دعاءه ورزقه ولداً سماه أحمد، وبينما كان د.أحمد رضيعاً نائماً داسه والده بقدمه فصرخ بصوت مرتفع، وقامت أمه فزعة عليه، وهو لا يكف عن الصراخ، فطمأنها والده قائلا:لا تخافى ولا تحزني، سينجيه الله تعالي، وهذا الصوت بشارة خير بأن صوته سيصل إلى ربوع الأرض داعيا إلى الله تعالي، وقد تحققت نبوءته فى ابنه د. أحمد عمر هاشم الذى أصبح أحد أبرز خدام الحديث النبوى فى العالم الإسلامى كله وكان الجميع ينتظرونه عبر إذاعة القرآن الكريم ليستمتعوا بتفسيراته للأحاديث النبوية وينتظرون الجمعة بطريقته المميزة إلقاء وشعراً حينما تسمعه تعلن أنه ثمار دعوة مستجابة من والد صالح لولد طيب، وقد توفى والده الشيخ عمر هاشم سنة 1974 ودفن مع جده بقرية بنى عامر وقبره يتبرك به الناس.
يصفه د. محمد أبو هاشم أنه كان شخصية فريدة جمعت بين الخُلق والأدب منذ كان طفلا صغيرا يحضر إلى بيتهم فى الساحة الهاشمية ليتعلم على يد والده الشيخ محمود أبو هاشم الذى كان بمثابة أستاذ للدكتور الراحل أحمد عمر هاشم، حتى أن والدى هو الذى اختار له الكلية والتخصص الدراسى والعلمي، مستذكرا أن د.أحمد عمر هاشم كان أستاذه وأشرف على رسالته فى الماجستير والدكتوراه، ومن النصائح التى كان يقدمها له التأكيد على العلم والعمل وكان يطبق هذا على نفسه، حيث يقوم بتحصيل العلم ويهتم به، ثم يتبعه بالعمل، وأوصاه أن يكمل مسيرته فى العلم وأن يستمر فى طباعة الكتب التى قام بتأليفها، مشيراً إلى أن د.هاشم أنهى تفسير القرآن الكريم فيما عدا نصف جزء طلب منه أن يستكمله، وهذا كان آخر أعماله، وقد سبق ذلك عدد من الأعمال المهمة مثل: شرح صحيح البخارى وغيره من الكتب التى وصل عددها 150 كتاباً، درجة أنه موصوف بــ«حارس باب السُنة النبوية» كما ألفَّ أكثر من 5 دواوين شعرية.
أشار دكتور ابو هاشم أن مرضه الشديد لم يمنعه عن مواصلة رسالته العلمية حيث كان يسجل أحاديث الصباح لإذاعة القران الكريم من داخل غرفة الرعاية المركزة، ولتمكسه بالعلم خرج من الرعاية المركزة لمناقشة رسالة دكتوراه، والعودة مرة أخرى وكررها مرة أخرى عندما خرج لإلقاء خطبة الجمعة فى مدينة العبور منذ 3 شهور، وروى دكتور أبوهاشم أحد المواقف التى لا ينساها له عندما كان أستاذاً فى كلية أصول الدين أخذ أحد العمداء منه موقفا ومنعه من دخول الكلية، وبعد أن تولى رئاسة الجامعة كان هذا العميد فى إعارة إلى أحد الدول العربية وأنهت هذه الدولة عقده وتوسط له أحد الأساتذة من أجل أن يعود لتولى عمادة كلية أصول الدين مرة أخرى فوافق مترفعاً عما بينهما من خلافات، وحينما سألته لماذا لم تتخذ منه موقفاً بسبب ما كان؟ قال إننى أحسن لمن أساء إلينا.
وصفه فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر بالعالِم الأزهريّ الأصيل، وأحد أبرز علماء الحديث فى العصرالحاضر، حيث رزقه الله حُسن البيان وفصاحة اللسان، والإخلاص فى الدعوة إلى الله، وخدمة سنة نبيه «صلى الله عليه وسلم»، ونشر العلم، وستظل خطبه وكتبه ومحاضراته منهلاً عذباً لطلاب العلم والباحثين.
فيما أوضح د. محمود صديق نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث أن د.هاشم كان رجلاً بمعنى الكلمة وعالماً جليلاً من علماء الحديث كانت تربطنى به علاقة مودة كبيرة وينادينى دائما « بالمنهل العذب « وأى منصب تولاه كان يضيف له ويترك بصمة بداخله، وكان مدافعا عن الحديث والأئمة فى كل الأماكن التى تقلدها متصفاً بدماثة الخُلق
فيما أعلن د.على جمعة عضو هيئة كبار علماء الأزهر أن د.هاشم كان علماً من أعلام الأمة، وضياءً يبدد ظلمات الجهل والغلو، وسراجاً يضيء دروب الهدى والمعرفة، عالمُاً عاملاً، ومُحدِّثاً ربانياً، عاش للحديث النبوى خادماً ومُبَيِّناً وناشراً، وجعل عمره كله وقفاً على الدعوة والتعليم وخدمة الدين، وبموته تنطفئ مصابيح كانت تهدى الناس سواء السبيل، وتنقضى أنفاس طيبة كانت تذكّر بالله وتجمع القلوب على رحمته، مضيفا أن رحيل د. هاشم فقدان عِلْمٍ غزيرٍ، وخلقٍ كريمٍ، وجهادٍ علميٍّ طويلٍ امتد عقوداً فى ميادين التعليم والدعوة وخدمة القرآن والسنّة، مشيرا أن من عرفه يعلم أنه من أولئك الذين يجمعون بين وقار العالم وتواضع الوليّ، وبين هيبة العلم ودماثة الخلق،فكان متواضعاً لا يردّ سائلاً، لطيفاً فى نصحه، بليغَ البيان، يجرى على لسانه القرآن والحديث، فتأنس به المجالس وتطمئن إليه القلوب.
بينما أشار د. نظير محمد عياد، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم إلى أن د.هاشم كان عالماً جليلاً ومُحدثاً كبيراً، عميق الفهم لمعانى النصوص، راسخ القَدَمِ فى علم الحديث النبوى سنداً ومتناً، خبيراً بأحوال الرجال جرحاً وتعديلاً، وكان خطيباً مفوهاً، واسع الاطلاع والثقافة، مصباحاً منيراً من مصابيح الدعوة الإسلامية، أفنى حياته فى خدمة العلم وأهله، تعليماً وإرشاداً وتوجيهاً، تاركاً للمكتبة العلمية إرثاً نفيساً من المؤلفات القيمة فى الحديث والدعوة والأخلاق.
الآلاف.. يتزاحمون
لصلاة الجنازة على د. هاشم
كتب – محمد زين العابدين ود.عبدالعزيز السيد:
شهد فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، صلاة الجنازة على العالم الجليل د.أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، التى أُقيمت أمس بالجامع الأزهر، وسط حضور مهيب من آلاف الطلاب والمحبين والعلماء وقيادات الأزهر الشريف، وقام بأداء صلاة الجنازة عليه د. محمد الضوينى، وكيل الأزهر، بحضور د.أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، ود.نظير عياد، مفتى الجمهورية، والفريق أول صدقى صبحى، القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع والإنتاج الحربى الأسبق، ود.سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والشيخ أيمن عبدالغنى، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، عدد كبير من اساتذة الجامعات المصرية وحضور الذين ترك فيهم الراحل أثرا علميا.