فى السادس من أكتوبر عام 1973، كتب المصريون واحدة من أعظم صفحات التاريخ الحديث، يوم عبر الجندى المصرى قناة السويس وحطم خط بارليف المنيع، ليعيد للأمة العربية ثقتها بنفسها ويثبت أن الإرادة الصلبة قادرة على قلب الموازين. لم يكن ذلك اليوم مجرد انتصار عسكرى، بل كان ميلادًا جديدًا للشخصية المصرية، وتجسيدًا لقدرة هذا الشعب على مواجهة التحديات وتجاوز المستحيل.
ولا يسعنا فى هذه الذكرى الخالدة إلا أن نرفع أسمى آيات التحية والإجلال إلى بطل الحرب والسلام، الشهيد الرئيس أنور السادات، الذى قاد مصر إلى النصر بجرأة القرار وحكمة القيادة، وإلى كل أبطال السادس من أكتوبر الذين سطروا بدمائهم أعظم ملحمة فى تاريخنا الحديث. كما نتوجه بتحية فخر واعتزاز لقواتنا المسلحة الباسلة، درع الوطن وسيفه، بقيادة القائد الأعلى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يواصل مسيرة البناء وحماية الوطن.
اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، يظل نصر أكتوبر منارة تهدى الأجيال. فهو ليس مجرد حدث تاريخى يُذكر فى كتب المدارس أو يُحتفل به فى المناسبات الوطنية، بل هو رصيد متجدد يغذى العزيمة ويدفعنا للعمل والبناء. لذلك، من واجبنا أن نُعرّف أبناءنا بجوهر هذا النصر، وأن نغرس فيهم معانيه العميقة، حتى يدركوا أن ما تحقق لم يكن وليد الصدفة، وإنما ثمرة جهد وتخطيط وإيمان لا يتزعزع.
المدارس العسكرية اليوم تجعل من نصر أكتوبر مادة للدراسة والتحليل، ليس فقط كإنجاز عسكرى، بل كنموذج فى الإدارة والتخطيط وحسن استغلال الموارد. فقد كان النجاح المصرى ثمرة تعاون جميع مؤسسات الدولة، من الجيش إلى الاقتصاد، ومن الإعلام إلى الدبلوماسية. هذا التكامل هو ما صنع النصر، وهو ما تحتاجه مصر اليوم فى مواجهة تحدياتها المعاصرة.
ولا يمكن أن نتحدث عن نصر أكتوبر من دون أن نشير إلى ما تبعه من تطورات وتقدم. لقد فتح النصر بابًا للسلام، ومهّد الطريق لاستعادة الأرض، ومنح مصر فرصة لإعادة بناء اقتصادها وتطوير قدراتها العسكرية والسياسية. لقد كان انتصار أكتوبر الشرارة التى أعادت الثقة للمصريين، وأثبتت أن هذا الشعب قادر على صناعة المعجزات إذا ما توحدت إرادته.
وتبقى روح أكتوبر أمانة فى أعناقنا جميعًا، يجب أن ننقلها جيلًا بعد جيل، حتى لا تبهت ملامحها، وحتى نظل دائمًا شعبًا قادرًا على أن يرفع رأسه عاليًا، معتزًا بما قدمه أبطاله، ومصممًا على أن يكون الغد أفضل من الأمس.