بعض الجنود الإسرائليين نسوا أسماءهم من شدة الصدمة
كتبت : دعاء الشريف
باحثة متخصصة فى الشأن الإسرائيلى
قال الشاعر قديماً «وشمائل شهد العدو بفضلها/ والفضل ما شهدت به الأعداء» ونحن فى أيام أكتوبر العظيمة نستدعى أعظم الذكريات عن انتصارات أكتوبر ومجده الخالد ومهما تحدثنا وتحدث أبطالنا عن المجد والشرف والتضحية وعن قصص لا تنسى رويت الأرض فيها بالدم، وسجل فيها كل جندى مصرى قصته الباقية، تظل شهادة العدو المتغطرس نفسه واعترافه أشد دلالة وأقوى برهاناً على ما تجرعه ذلك العدو أيام حرب أكتوبر «يوم الغفران» التى صدمتهم ومزقتهم وأصابتهم مفاجأتها بالذعر حتى تخبط قادتهم وارتعشوا وهم يتابعون ساعة بعد ساعة عبور الجندى المصرى قناة السويس وبارليف المنيع على طول الجبهة، وتأكدوا أن ذلك الدبيب الذى يتعالى صوته ويرج الأذان والقلوب ما هو إلا صوت خطوات القدم المصرية على الأرض الحبيبة التى عانقت أقدام الجنود باشتياق لا يوصف.. فى هذا التقرير أبرز اعترافات قادة إسرائيل على الأهوال التى واجهتها إسرائيل والحالة المزرية التى وصل إليها جنودها فى مواجهة جنودنا البواسل .. تلك الاعترافات التى وثقتها مذكراتهم وتصريحاتهم.
أعد الصحفى الإسرائيلى «إيلان كفير» مؤخراً كتابا بعنوان: «إخوتى أبطال المجد» ونشر فيه أسراراً مثيرة عن الجبهة الإسرائيلية أبرزها قيام كتيبة دبابات إسرائيلية بفتح النيران عن قرب على مجموعة من الجنود الإسرائيليين وقتل بعضهم وجرح الآخرين بدم بارد كما قال أحد الناجين، لمجرد اعتقاد جنود الكتيبة بأن الجنود المقابلين لهم هم جنود فروا من الجيش المصري.
نقل الكتاب عن أحد الناجين وهو موشيه ليفى قوله للإذاعة الإسرائيلية: «إنه لم يشفع للجنود الإسرائيليين كونهم عزل لا يحملون أى سلاح ويتحدثون العبرية بطلاقة، ويعرفون أسماء قادة الكتائب الإسرائيلية، فقد فتح رفاقهم عليهم النار، فقط لأنهم اعتقدوا بأنهم عرب». سرد ليفى ما حدث قائلاً: «فى اليوم الثانى لحرب أكتوبر، السابع من أكتوبر، وجدت كتيبة دبابات إسرائيلية نفسها تواجه مئات الجنود المصريين فى الجهة الشمالية للقناة. وكان يقود إحدى الدبابات العريف أول شلومو ارمان وقد أصيبت دبابة ارمان بنيران مصرية فانتقل مع جنوده إلى دبابة موشيه ليفى «المتحدث» إلا أن صاروخ آر بى جى مصرى أصاب الدبابة، فقفز ركابها إلى المستنقع وبدأوا بالهرب».
استطرد: «كان المصريون يطلقون علينا النار ونحن نركض فى المستنقع، وتخلصنا من متاعنا وأسلحتنا كى نتمكن من التحرك بسهولة داخل المستنقع، ولما تعبنا من السير بدأنا الزحف، وكان ارمان يتذوق رمال المستنقع ويقودنا على مدار 8 إلى 9 ساعات، لأنه كان الوحيد الملم بتفاصيل المنطقة وبعد ساعات طويلة وشاقة، وصلت المجموعة إلى حيث رابطت كتيبة دبابات إسرائيلية».
أضاف ليفى «وقفنا على بعد 15 متراً من الدبابات، لكن طاقمها لم يتعرف علينا، وصرخ بهم شلومو بأننا طاقم دبابة إسرائيلية هربنا من المصريين، فسألونا من أنتم ومن أين جئتم، وكنا نتحدث إليهم بالعبرية، وقلنا لهم إننا من الكتيبة «ل»، فقالوا لا توجد كتيبة كهذه، وبسبب رعبهم من الجيش المصرى بدأوا بإطلاق النار علينا، بدم بارد، من ثلاث دبابات، وأصيب بعضنا بجراح بالغة، بينهم أنا وشلومو، وسمعتهم يقولون فى جهاز الاتصال إظنهم قتلوا أفراد كتيبة من العدو.. ويبدو أن سائق إحدى الدبابات المصاب قد صرخ بهم: نازيون، وعندها فهموا أنهم أصابوااسرائليين طلبوا إرسال إسعاف لنا وانصرفوا دون تقديم أى مساعدة» بسبب حالة الرعب التى كانت تسيطر عليهم من المصريين.
المخابرات المصرية وتضليل جولدا مائير
أما مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية فى حرب أكتوبر «إيلى زعيرا» والذى يصفونه فى إسرائيل بأنه «مهندس الهزيمة « وأنه السبب الرئيسى فيما لحق بالجيش الإسرائيلى فقد نشر كتابا يحمل اسم: «حرب أكتوبر الأسطورة أمام الواقع».
اعترف فيه بأن المخابرات المصرية دست معلومات مضللة على جولدا مائير، مشيراً إلى أن السبب الرئيس فى الهزيمة هو وصول معلومات تم نقلها مباشرة إلى رئيسة الوزراء وبدون تحليل من الموساد على أساس أنها موثوق بها وكانت هذه المعلومات هى السبب الأساسى وراء التقديرات الخاطئة التى اتخذتها الحكومة الإسرائيلية.
وذكر زعيرا أيضاً فى كتابه أن تلك المعلومات المضللة هى من تخطيط المخابرات المصرية وأنها كانت جزءاً من خطة الخداع والتموية المصرية التى تم تنفيذها استعداداً للمعركة.
وتتوالى الاعترافات
كما كشف كتاب إسرائيلى بعنوان»حرب يوم الغفران، اللحظة الحقيقية» لمؤلفيه رونين برغمان وجيل مالتسر، عن وثائق سرية من بروتوكولات هيئة الأركان العامة والحكومة الإسرائيلية اتضح خلالها الاستهانة الاسرائيلية بالقوة العربية حتى فوجئوا بقوة الجيش والمقاتل المصرى .
شهادة دايان
نذكر جميعاً مقولة موشيه دايان وزير الحرب الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر فى تصريح فى ديسمبر 1973: «إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل وإن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا مالم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين .. قال أيضاً: إن الحرب قد أظهرت أننا لسنا أقوى من المصريين وأن هالة التفوق والمبدأ السياسى والعسكرى القائل إن إسرائيل أقوى من العرب وأن الهزيمة ستلحق بهم إذا اجترأوا على بدء الحرب هذا المبدأ لم يثبت، وشرح دايان قائلاً: لقد كانت لى نظرية هى أن إقامة الجسور ستستغرق منهم طوال الليل وأننا نستطيع منع هذا بمدرعاتنا ولكن تبين لنا أن منعهم ليست مسألة سهلة وقد كلفنا جهدنا لإرسال الدبابات إلى جبهة القتال ثمناً غالياً جداً، فنحن لم نتوقع ذلك مطلقا «.
وقد كشف كتاب أصدره الجنرال أسحق حوفى قائد اللواء الشمالى لجيش الاحتلال الإسرائيلى عن توصل وزير الحرب وقتها موشيه دايان تحت ضغط مفاجأة الضربة المصرية إلى خيار الهرب والفرار من هضبة الجولان السورية فى ثانى أيام الحرب، قبل أن يستعيد الزمام ويأمر بضرب دمشق.
شهادة حاييم هيرتزوج
فى مذكراته كذلك عن حرب أكتوبر، قال حاييم هيرتزوج رئيس دولة إسرائيل الأسبق :» لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل السادس من أكتوبر وكان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم لقد كانوا صبورين كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا كانوا يقولون ويعلنون الحقائق تماماً حتى بدأ العالم الخارجى يتجه إلى الثقة بأقوالهم وبياناتهم «.
فى ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس فى 16 سبتمبر 1974، قال اهارونياريف مدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق: «لاشك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء، أما السادات فحينما سئل هل انتصرت فى الحرب أجاب .. انظروا إلى ما يجرى فى إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة عن هذا السؤال «.
إبيان وجولدمان
أيضاً علينا أن نذكر مقولة أبا ابيان وزير خارجية إسرائيل: «لقد طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر لذلك ينبغى ألا نبالغ فى مسألة التفوق العسكرى الإسرائيلى بل على العكس فإن هناك شعوراً طاغياً فى إسرائيل الآن بضرورة إعادة النظر فى علم البلاغة الوطنية. إن علينا أن نكون أكثر واقعية وأن نبتعد عن المبالغة».
وفى كتاب له بعنوان « إلى أين تمضى إسرائيل «والذى صدر فى إسرائيل بعد سنوات من الحرب قال ناحوم جولدمان رئيس الوكالة اليهودية الأسبق: «إن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمناً باهظاً حوالى خمسة مليارات دولار وأحدثت تغيراً جذرياً فى الوضع الاقتصادى فى الدولة الإسرائيلية التى انتقلت من حالة الازدهار التى كانت تعيشها قبل عام، غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التى حدثت على الصعيد النفسي.. لقد انتهت ثقة الإسرائيليين فى تفوقهم الدائم».
زلزال أكتوبر
فى كتاب له بعنوان: «زلزال أكتوبر» قال زئيف شيف المعلق العسكرى الإسرائيلي: «هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلى التى يعالج فيها الأطباء جنوداً كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسى .. هناك من نسوا أسماءهم . لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب فى المفاجأة فى حرب يوم عيد الغفران وفى تحقيق نجاحات عسكرية. لقد أثبتت هذه الحرب أن على إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربى فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظاً جداً. لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلى القمة وبدلاً من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت على السطح أسئلة هل نعيش على دمارنا إلى الأبد هل هناك احتمال للصمود فى حروب أخري».
