شارك الدكتور محمد عثمان الخشت، المفكر الإسلامي وأستاذ فلسفة الدين، وعضو المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد، والرئيس السابق لجامعة القاهرة، في حلقة استثنائية من برنامج “حديث العرب” على قناة سكاي نيوز عربية. تناول النقاش موضوع: “تجديد الخطاب الديني: صراع ثقافي أم مشروع حضاري؟“، حيث أكد الخشت أن التجديد هو مشروع حضاري وضرورة مُلحة تقتضيها متغيرات العصر.
أصالة التجديد وجذوره التاريخية
أوضح الدكتور الخشت أن تجديد الخطاب الديني ليس تيارًا مستوردًا أو متأثرًا بالثقافة الغربية، بل هو تيار أصيل ومتجذر في الحضارة الإسلامية، حيث بدأت جذوره منذ عهدي الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وأشار إلى أن الخطاب الديني التقليدي هو نتاج ظروف وعصور ماضية، وبالتالي لم يعد كافيًا لتلبية احتياجات العصر الحالي، الأمر الذي يستدعي تأسيس خطاب ديني جديد يعيد فهم النصوص المقدسة برؤية معاصرة.
تحديات الفكر والأصولية السياسية
في سياق تحليله للتحديات الفكرية، ذكر الدكتور الخشت أن فكر المعتزلة والأشعرية، رغم أهميته في عصره، لم يعد يتناسب مع واقعنا الراهن. ولفت الانتباه إلى نقطة جوهرية، وهي أن تيارات الأصولية السياسية السنية قد استعارت فكرة الإمامة السياسية من المذهب الشيعي، على الرغم من أن الإمامة هي في الأصل من أبواب الفقه وليست من أصول الدين.
كما أوضح أن هذه التيارات استعارت من الشيعة أيضًا أساليب التقية والتخفي، ووظفت نظرية ولاية الفقيه تحت مسمى مغاير هو “الحكم باسم الدين”. وأضاف الخشت أن هذه التيارات استعارت العمليات الانتحارية من حركة الحشاشين التاريخية.

خطر صراع الأصوليات على الأمن الدولي
شدد الدكتور الخشت على أن صراع الأصوليات القومية في أوروبا والأصوليات الدينية في العالم الإسلامي يخدم المتطرفين من كل الأديان، ويغذي حالة الاستقطاب والتعصب، ويهدد استقرار المجتمعات والأمن الدولي. ونوه إلى الصعود القوي لليمين الشعبوي في الغرب، الذي يستثمر أحيانًا الهوية المسيحية أو “القيم التقليدية” في مواجهة المهاجرين والإسلام، مؤكدًا أن هذا اليمين المتطرف غالبًا ما يكون تيارًا قوميًا يستعير رمزية مسيحية، وليس تيارًا دينيًا بالضرورة.
أهمية الاجتهاد والتفرقة بين المقدس والبشري
تطرق الدكتور الخشت إلى أهمية الاجتهاد في فهم النصوص الدينية، مبينًا أن جزءًا كبيرًا من آيات القرآن الكريم يحمل دلالات ومعاني متعددة، مما يفتح الباب واسعًا أمام التأويل والاجتهاد. وأكد أن هذا التعدد في الدلالات، على عكس الآيات المحكمات قطعية الدلالة التي تمثل نسبة أقل، يمثل ثراءً فكريًا يمنح مرونة في التعامل مع التطورات العلمية والعصرية.
واختتم الدكتور محمد الخشت حديثه بالتأكيد على الضرورة القصوى للتفريق بين المقدس والبشري في الخطاب الديني، داعيًا إلى جهد متواصل لإرساء خطاب ديني جديد يعيد جوهر الإسلام وقيمه السمحة، ويواجه التحديات المعاصرة بوعي وفهم عميق.
عن مشروع الدكتور الخشت الفكري
جدير بالذكر أن مشروع الدكتور محمد عثمان الخشت يحظى بأهمية كبيرة في العالم العربي، حيث تولى رئاسة جامعة القاهرة لأطول فترة بين الرؤساء السابقين، وأنشأ جامعة القاهرة الدولية. ويمتلك مشروعًا فكريًا متكاملاً يعمل عليه منذ أربعين عامًا، وألّف فيه عشرات الكتب بهدف تأسيس خطاب ديني جديد ورؤية عقلانية مستنيرة للدين، بعيدًا عن الجمود والتقليد الأعمى. وقد عُرف عنه دعوته المستمرة إلى الدولة الوطنية، والتفكير النقدي، والتدبر في النصوص الدينية، والجمع بين الأصالة والمعاصرة في فهم القضايا الدينية والفلسفية.