وجود مقر الأمم المتحدة فى نيويورك منذ نشأته منتصف أربعينيات القرن الماضى، يمنح الولايات المتحدة الأمريكية تأثيراً مباشراً على عمل هذا المحفل العالمى والنتائج الدولية المهمة الصادرة عنه، حيث استخدمت نفوذها فى عرقلة العديد من القرارات المصيرية، خاصة فى مجلس الأمن التابع لتلك المنظمة فيما يتعلق بإسرائيل بالذات، مما أضر بالقضية الفلسطينية.. لذا تعالت الأصوات المطالبة بنقل المقر إلى دولة أخرى محايدة لا تتدخل فى القرارات لطرف على حساب طرف آخر.
أقول ذلك بمناسبة منع واشنطن الرئيس محمود عباس من دخول الأراضى الأمريكية لحضور اجتماعات الجمعية الأممية قبل بضعة أيام، مما أثار سخط غالبية الدول الأعضاء فى المنظمة، لأن منع مثل هذا الرجل والوفد الفلسطينى من الحضور يمثل انتهاكاً دولياً وتقويضاً للقضية الفلسطينية، وتعمد لتصفيتها، وإذا لم يحضر فمن يحضر إذن؟!.. ليس هذا فقط، وإنما استمرت واشنطن فى تسلطها بإلغاء تأشيرة دخول الرئيس الكولومبى لأنه حث العالم على الوقوف فى وجه التسلط والغرور الاسرائيلى وحث الجنود الأمريكيين على عصيان الأوامر والتحريض على العنف فى نيويورك وأيضا الدعوة إلى نقل مقر المنظمة الأممية من نيويورك إلى مدينة أخرى خارج الولايات المتحدة، قائلاً بالحرف الواحد: إذا كانت الأمم المتحدة تمثل البشرية جمعاء، فلماذا تظل حبيسة مدينة واحدة ونظام سياسى واحد؟!، وأنه حان الوقت للتفكير جدياً فى نقل مقر المنظمة إلى مكان يجسد الحياد والتعددية.
عموماً، ليست هذه الدعوة بالنقل للمقر من نيويورك، وإنما سبقته مطالبات من زعماء آخرين ومنهم الراحل معمر القذافى الذى طالب بذلك مبكراً عام 2009 أمام الجمعية العامة، حيث قال: لماذا لا تفكرون بمكان متوسط مريح، متسائلاً: هذا بيت المقدس؟!، هل هذا الفاتيكان؟!، هل هذه مكة؟!
ورغم كل هذه المطالبات، إلا أن الموضوع لا يراوح مكانه للآن، وإن كان هذا مطلباً مهماً من وجهة نظر الكثير من زعماء العالم، بعدما تعدت واشنطن كل الحدود، فأضعفت من أهمية المنظمة ودورها العالمى فى نصرة المظلوم ومحاسبة الظالم فى زمن الدوران حول فلك واحد وهو أمريكا، بعدما كان هناك قطب شرقى آخر وهو الاتحاد السوفيتى، الذى كان له دور كبير فى فرملة الغطرسة الأمريكية، وما فعله خروشوف فى احدى الجلسات الأممية عندما وضع حذاءه على الطاولة متحدياً واشنطن، خير دليل.
لم تكتف واشنطن بما فعلته مع «أبومازن» أو الرئيس الكولومبى، وإنما فعلته مع خبيرة إيطالية أممية، عندما فرضت عليها عقوبات.. الأمر الذى يخالف اتفاقية المقر الأممى عام 1947 التى تنص على تسهيل عمل الأمم المتحدة وضمان منح تأشيرات لممثلى الدول والخبراء الأمميين لحضور اجتماعات المنظمة، ناهيك عن فرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية والتهديد بفصلهم وملاحقتهم لاتخاذهم قرارات تمس رئيس الوزراء الاسرائيلى وبعض رجاله من الوزراء وملاحقتهم جنائياً وغيرها من الممارسات التعسفية من البلد المضيف للمنظمة الدولية، مما يعد تقويضاً لحصانة الأمم المتحدة وامتيازاتها عبر إجراءات أحادية وكأن واشنطن هى الأمم المتحدة.
صراحة، التدخل الأمريكى فى قرارات الأمم المتحدة واتخاذها إجراءات أحادية واستخدامها السىء لحق النقض «الفيتو»، يجعل فكرة نقل المقر إلى دولة أخرى أكثر نقاشاً أو حتى على الأقل إعادة النظر فى الميثاق الأممى الذى على أساسه تم تأسيس تلك المنظمة، وإلا ستحلق يوماً ما بسابقتها وهى عصبة الأمم المتحدة التى تم إلغاؤها واستبدالها بالمنظمة، بعد حدوث تجاوزات كثيرة أضعفت العصبة، الأمر الذى ترتب عليه حدوث الحرب العالمية الثانية، فهل ستنتظر الدول الأعضاء وسيطول انتظارها على الخروقات الأمريكية حتى تحدث حرب عالمية ثالثة؟!.. وفى النهاية لابد من تعميق فكرة نقل المقر الأممى من واشنطن، كى تعيد أمريكا النظر فى تصرفاتها الأحادية وتفيق عندما تجد الإجماع والإصرار الدولى على ذلك.
>> وأخيراً:
>إصرار واشنطن على استخدام «الفيتو»، يزيد من جبروت دولة الاحتلال ومن آلام الشعب الفلسطينى.
> كلمة وزير خارجيتنا أمام الأمم المتحدة بأن مصر لن تشارك فى نكبة جديدة للفلسطينيين، يؤكد دور مصر العظيم وحرصها الدائم على حق الشعب الفلسطينى.
> بعد موافقة حماس مبدئياً على الخطة الأمريكية، هل يعتبر ذلك انفراجة فى غزة؟!.. أتمنى ذلك.
> الوحشية الإسرائيلية وأطماعها فى غزة، جعلها فى عزلة عن العالم، خاصة بعد الإجماع شبه الدولى بدولة فلسطين وبعضويتها كاملة فى الأمم المتحدة.
> حادث مصنع المحلة، هل يعيد النظر بجدية فى معايير السلامة المهنية؟!