خلال مسيرتى الصحفية عملت مع حوالى عشرة رؤساء تحرير.. تأثرت بهم جميعا.. كل منهم اجتهد حسب قدراته وامكانياته.. وأيضا ميوله.. اسمحوا لى ان اقدم لكم اليوم نموذجاً مختلفاً من بين كل هؤلاء.. المرحوم الأستاذ محسن محمد.. رئيس التحرير الذى وصل بتوزيع «الجمهورية» إلى ما يقرب من المليون نسخة فى العدد الأسبوعى كل خميس.. وأيضا الأستاذ سمير رجب أطال الله فى عمره.. الذى اضاف الكثير لـ «الجمهورية».. فوجئت بالأستاذ محسن محمد يطلب منى ان أبلغه يوميا بإيراد قناة السويس.. وعدد السفن العابرة يوميا.. قلت فى نفسى.. لماذا يطلب منى ان أبلغه هو شخصياً.. لماذا لا ابلغ رئيس قسم الاخبار المرحوم الاستاذ إسماعيل الشافعي!! كانت هذه بداية التعامل المباشر مع رئيس التحرير.. كان يضع إيراد القناة وعدد السفن فى الصفحة الأولى يوميا.. ثم قرر ان يخصص 4/1مساحة الصفحة الاقتصادية لأخبار قناة السويس يومياً.. وجاء الاتصال الثانى بتكليفى بمسئولية إعداد هذا الجزء من الصفحة الاقتصادية يوميا.. والتقيت بالاستاذ محسن محمد.. أثناء المؤتمر الصحفى العالمى الذى عقد فى الإسماعيلية.. للرئيس الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن.. ولم أكن اعلم بحضوره.. فوجئت به أمامى.. وعقب انتهاء المؤتمر.. عرضت عليه.. كل ما كتبته.. نظر بسرعة فى الأوراق.. ثم التفت حوله.. ليجد الأستاذة هدى توفيق إلى جوارنا.. وهى المحررة الدبلوماسية المرموقة لـ»الجمهورية» فى ذلك الوقت.. ومنحها أوراقى قائلا.. عبدالوهاب عدس كتبها.. قولى لناجى قمحه يكتب اسم عبدالوهاب لوحده على المؤتمر.. ردت هدى توفيق أنا ما كتبتش أى حاجة.. بالمناسبة الأستاذ ناجى قمحة.. كان مدير تحرير «الجمهورية» فى ذلك الوقت.. وفى كل الأوقات.. فهو الدينامو.. أو رئيس التحرير الفعلى لـ»الجمهورية».. وهو الأب الروحى لجيل كامل من الصحفيين.. أفخر بأن أكون واحداً منهم.. والأستاذ ناجى.. حصل على ثقة جميع رؤساء التحرير الذى عمل معهم.. لدرجة انه كان يقوم بعمل رئيس التحرير كاملاً.. ولعل ذلك من أسباب نجاح «الجمهورية».. فقد أعطى الأستاذ ناجى عمره كله لـ»الجمهورية» ونحن معه.. فوجئت فى اليوم التالى للمؤتمر باتصال الاستاذ محسن محمد.. قائلا.. أنا بشكرك على اللى عملته فى المؤتمر ولم ينتظر الأستاذ محسن.. أى رد منى.. وجاء التقدير بأول علاوة استثنائية عشرة جنيهات تضاف على المرتب.. من هنا تعلقت بالأستاذ محسن محمد.. تابعت مسيرته.. ووضعته أمامى كنموذج.. فقد بدأ حياتة مراسلاً لجريدة الأخبار بالإسكندرية.. وأنا بدأت مراسلاً لـ»الجمهورية» بالإسماعيلية.. عندما كنت التقى بأستاذ محسن محمد.. كنت الوحيد الذى يدعونى صباحاً لتناول الشاى معه.. وخلال تشكيل وزارة ممدوح سالم.. جلس المهندس عثمان أحمد عثمان فى منزله بحى النخيل بالإسماعيلية.. وهو العائد من لقاء الرئيس الراحل أنور السادات.. يتصل بالوزراء وزيراً.. وزيراً.. يبلغ كلاً منهم.. ان السادات اختاره وزيراً.. وان حلف اليمين بالإسماعيلية.. جلست بجوار عثمان وسجلت الأسماء منه.. وأبلغتها للأستاذ محسن محمد.. كان ذلك قبل حلف اليمين بـ24 ساعة.. قال محسن محمد.. لو طلعت خطأ سأرفدك.. قلت.. ولو صح.. لم يرد محسن محمد.. فوجئت بعلاوة استثنائية ثانية (15) جنيهاً.. أما العلاوة الاستثنائية الثالثة.. فجاءت نتيجة انفرادنا برسوم عبور السفن فى القناة.. قبل أسبوع كامل من إعلان المهندس المرحوم مشهور أحمد مشهور رئيس القناة فى ذلك الوقت لهذه الرسوم.. وقد نقلت جميع الوكالات العالمية هذه الرسوم من «الجمهورية».. سألت الاستاذ محسن محمد.. أين تذهب كل يوم الساعة الرابعة عصراً.. قال: أذهب لمكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة لأقرأ جميع الصحف الأجنبية التى تصل لهذه الجامعة.. وقد اقتبست منها أبواباً لـ»الجمهورية».. وعندما خرج الأستاذ محسن محمد للمعاش.. جاءت الفرصة لأجلس معه يوميا لساعات فى مكتبه الذى خصصته له «الجمهورية».. وكان بجوار مكتبى بالدور التاسع بالمبنى الجديد الذى شيده الأستاذ سمير رجب.. كان لقاء ممتعاً.. فتح فيه الرجل قلبه لى وقال: انه دخل معارك.. لو عاد الزمن للوراء.. لن يخوضها.