لم تأت تسمية جيشنا بخير أجناد الأرض من فراغ؛ فهو ابن هذا الشعب، وجزء من نسيجه الوطني، يتألم لألمه ويفرح لفرحه، ويتولى راضيا مطمئنا مهمة شريفة وهى الدفاع عن ترابه المقدس، لم يتأخر يوما عن التضحية بالغالى والرخيص كى تظل مصر آمنة وفى رباط لا ينقطع.
وقد أثبتت حوادث التاريخ أن هذا الجيش العظيم هو السند والنصير فى شتى الملمات والشدائد والمحن التى أظهرت معدن جيشنا العظيم.. فما من محنة إلا وكان الجيش أول من ينزل للميدان بجسارة وفداء.. حدث ذلك فى مناسبات عديدة، أذكر منها زلزال 1992 وحوادث السيول.. والأهم عندى هو ما حدث بعد يناير 2011 حين نزل الجيش للشارع ليحمى ويحرس مؤسسات الدولة ومنشآتها الحيوية.. ولولاه لتم نهبها وسلب محتوياتها ولضاعت هوية هذا البلد.. لقد أثبت جيشنا مجدداً أنه عند حسن الظن به، وأن الشعب يمكنه أن ينام ملء جفونه مادام يملك درعاً وسيفاً وعيناً مفتوحة طوال الوقت على كافة الاتجاهات الإستراتيجية للدولة.
ما يضطلع به الجيش من واجبات ومهمات أكبر من أن تحصيه هذه السطور.. وكلها فداء لهذا البلد وشعبه العظيم الذى يقابل جيشه حباً بحب ودعماً بدعم ووفاءً بوفاء لا حدود له.
ولا تزال مصر رغم ما حققته من إنجازات مشهودة بعد 30 يونيو تتعرض لمؤامرات وتجابه معوقات يضعها الخصوم والأعداء فى طريقها سعياً لإضعافها وتركيعها وشل قدراتها ووقف مسيرتها نحو التقدم وبناء مستقبلها فى عالم شديد التغير والاضطراب.. ولعل ما يحاوله نتنياهو ويمينه المتطرف من تفريغ غزة من أهلها عبر تهجير أهلها قسرا تحقيقا لأوهام هذا اليمين المسعور بدولة إسرائيل الكبرى أو لتحويلها إلى ريفيرا الشرق كما يحب ترامب المساند الأكبر لتل أبيب التى تحاول ابتلاع ما بقى من أرض فلسطين حتى يتسنى لها الانفراد بدولنا العربية واحدة تلو الأخرى تنفيذاً لأحلام السيطرة والغزو لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد فى ظل ووجود إدارة أمريكية شديدة التعصب لإسرائيل..!!
وكأن التحديات والمخاطر هى قدر مصر التى يعرف الأعداء قبل الأصدقاء مكانها ومكانتها وجوهر دورها.. وكيف أنها بمثابة الرأس من الجسد لأمتها؛ فإذا استقرت وقويت صار لأمتها شأن وقَدْر.. وإذا اهتزت لا قدر الله أو مرضت فلن تقوم لهذه الأمة قائمة بعدها. مصر أهم المراكز الإستراتيجية للعروبة والإسلام وهو ما يثير نقمة الأعداء الذين يرونها الجائزة الكبرى إذا ما ظفروا بها، وهو ما جعلها منذ قرون محط اهتمام ومطمعاً متجدداً يغرى كل ذى شوكة.. ولا ينسى المتربصون بنا ما فعلته مصر حين تصدت لأعتى هجمات التتار والمغول والصليبيين الذين كادوا يحرقون الأخضر واليابس فى العالم الإسلامى لولا بسالة مصر وجندها الذين وقفوا سداً منيعاً حال دون سقوط الشرق فى براثن الغزاة الهمج.
تاريخياً اضطلعت مصر بأدوار مفصلية قائدة فى طليعة الكفاح ضد قوى الاستعمار الحديث، ملهمة لحركات التحرر ليس فى عالمنا العربى وقارتنا السمراء فحسب بل فى شتى أنحاء الدنيا.. ثم هى من أوقف مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى يستهدف تقسيم مصر ومحيطها لصالح إسرائيل ومن وراءها.
على مر العصور كافحت مصر ضد الدول الكبرى التى لا يرضيها أن تنهض القاهرة بأى دور مؤثر فى منطقتها وسعت بكل السبل لتنفيذ مخطط هدم مصر.. تارة بضمان تفوق إسرائيل عسكرياً على العرب مجتمعين.. وتارة أخرى بمحاولات الاستثارة والاستفزاز لجرجرته لحرب تكون ذريعة للنيل منه واستنزافه كما يجرى الآن، وتارة ثالثة بإثارة نزاعات بشأن الحدود، أو باستنبات ودعم جحافل الإرهاب فى أرضها وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية والعمل على تفتيت وحدة النسيج الوطنى وإضعاف تماسك جبهتنا الداخلية حتى يحدث الانقسام بين المصريين وتأكلهم الصراعات وتذهب لا قدر الله ريحهم ويصبحوا لقمة سائغة فى أفواه أعدائهم.
يقينى أن شعبنا واعٍ تماماً بكل هذه المحاولات المكشوفة ولا تنطلى عليه ما يحاك ضده ويجرى ترتيبه فى الخفاء لكن ذلك يحتاج يقظة شعبية ومجتمعية مستمرة حتى يبقى الوعى سلاحنا الأقوى فى معركة المصير التى لا مفر منها.. ويعلم هذا الشعب يقيناً أن جيشه جزء منه ويشهد تاريخه أنه آية فى التفانى والشرف وأنه مصنع الوطنية والرجال والتضحية.
ولسوف يستمر جيشنا وشعبنا لُحمة واحدة ونسيجاً متماسكا مهما حاول المتآمرون والكارهون الوقيعة بينهما أو تشويه الحقائق وتزييف الواقع لتحيا مصر بتماسك أهلها وتوحد جيشها وشعبها وشرطتها، فوحدة المصريين على قلب رجل واحدة هى أقوى ضمانات الحفاظ على مصر القوية.
فهل وعينا الدرس وفهمنا لماذا تتعاظم الضغوط وتتزايد محاولات استهداف جيشنا القوة الصلبة الوحيدة التى بقيت فى المنطقة العربية والتى باتت هى هدف المستعمرين الجدد؟!