يشاع أن الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر ولد بعملية فتح البطن، لكن هذا غير صحيح لأن والدته عاشت بعد الولادة، وهو أمر كان مستحيلا طبيا آنذاك. التسمية جاءت لأن قيصر أصدر فرمانا بإخراج أى جنين من بطن أم متوفاة أو على وشك الوفاة.
الولادة القيصرية إجراء طبى يلجأ إليه الاطباء عند تعسر الولادة أو وجود خطر على الأم أو الجنين. وهى إجراء جراحى غير صعب ولكنها أولاً وأخيراً عملية جراحية لها مضاعفات أسوة بأى إجراء جراحي، وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال المولودين عن طريقها أكثر عرضة لمضاعفات قد تمتد لسنوات طويلة مثل ضعف المناعة، أمراض الجهاز التنفسي، السمنة فى مرحلة الطفولة والأمراض غير المعدية فى سن الشباب.
وترى منظمة الصحة العالمية أن النسبة المثالية للولادات القيصرية يجب ألا تتجاوز 15 ٪، لكن المعدلات ارتفعت عالميا من 7 ٪ عام 1990 إلى 21 ٪ عام 2023، بينما بلغت أرقاما مقلقة فى مصر (أكثر من 72 ٪ عام 2021). هذه النسبة هى الأعلى عالميا وهذا أمر خطير، مع انتشارها أكثر فى القطاع الخاص والريف.
ولقد كان من الضرورى أن تقوم الدولة مؤخرًا بالتعامل الحاسم مع ملف الولادات القيصرية بعد أن اصبحت ظاهرة مقلقة وغير منطقية تعكس وجود أزمة صحية واجتماعية حقيقية تستدعى التدخل العاجل. خاصة أن العملية أصبحت تجرى فى بعض الحالات بناء على طلب فردى من بعض السيدات من أجل تجنب آلام الولادة أو تحديد موعدها، كما أن زيادة معدلات إجراء الجراحات القيصرية فى مصر يعكس خللا فى بنية نظام الرعاية الصحية.. سواء فى المؤسسات الصحية الحكومية أو الخاصة.. حيث تتركز مسئولية متابعة الولادة بأكملها للطبيب وحده فى حين أن النظام فى أغلب دول العالم يعتمد على نظام القابلات اللاتى يقمن بمتابعة الولادات الطبيعية ويطلبن تدخل الطبيب واستدعائه فقط عند الحاجة إلى تدخل جراحي.. القابلات يعملن فى ساعات محددة ويحل محلهم قابلات آخريات عند انتهاء المناوبة فهن ليسوا فى عجلة من أمرهم.. ولكن الطبيب غالباً ما يعمل بمفرده وعليه أحيانا أن يقرر ويحدد رغبته فى الراحة لذلك فقد يجد فى وقت ما أن القيصرية هى الخيار الأسرع والأسهل.
ومن العوامل الأخرى التى تساهم بدرجة ملحوظة فى انتشار الولادات القيصرية هو ما نراه فى الريف وحتى بعض المناطق الحضرية، حيث تنتشر ما يعرف بـ«المستشفيات الخاصة» والتى هى فى الواقع شقق سكنية تحولت إلى أماكن للولادة فيصبح المطبخ غرفة عمليات وجهاز التعقيم يوضع فى الحمام.. وغالبا لا يوجد طاقم تمريض مؤهل أو قابلات.. وفى ظروف كهذه يصبح اللجوء إلى القيصرية قرارا شبه دائم، ليس لمصلحة الأم، بل لتجنب أى مضاعفات لا يمكن التعامل معها. أما ما يقال إن بعض الأطباء يفضل إجراء العمليات القيصرية بسبب ارتفاع حافزها المادى عن الولادة الطبيعية فهذا أمر وارد ولكن من الصعب التحقق من صحته والعلم عند الله وحده..
الأمر يحتاج الى حلول حازمة.. ويتطلب إصلاحا جذريا يتجاوز حملات التوعية، ويشمل الالتزام بالبروتوكولات الدولية لرعاية الحمل والولادة، وتشديد الرقابة على المؤسسات الخاصة، وإحياء دور القابلات وتدريبهن.
الولادة القيصرية قد تكون منقذة للحياة، لكنها حين تتحول إلى القاعدة، فإنها تكشف خللا فى منظومة الصحة الإنجابية. ولعل السبيل الأمثل لمواجهة الأزمة هو إعادة المفهوم المنطقى لكل من له علاقة بهذا الأمر.. بأن الولادة الطبيعية هى الأصل.