أعلنت إحدى دور النشر العالمية أن عبارة “تعفن الدماغ” هي الكلمة الرسمية لعام 2024، في إشارة إلى حالة عقلية جديدة مرتبطة بالإفراط في استخدام الإنترنت، خصوصًا المحتويات التافهة والصور المضحكة المنتشرة على المنصات الاجتماعية.
الكلمة التي انتشرت عالميًا تصف التدهور العقلي والفكري الناتج عن الاستخدام غير الهادف للتكنولوجيا، وما يسببه من ضعف الذاكرة وصعوبة التركيز والتعب الذهني، وصولًا إلى انخفاض إنتاجية الفرد.
أعراض صامتة.. لكنها مدمرة
تشير التقارير إلى أن أبرز أعراض “تعفن الدماغ” تتمثل في النسيان المتكرر، الإرهاق العقلي، ضعف القدرة على التركيز، وتراجع النشاط البدني، وهو ما ينعكس على إنتاجية الفرد وحياته الاجتماعية.
رأي الخبراء: الرقمنة سلاح ذو حدين

تقول الدكتورة شيماء عبد الوهاب، أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة المنصورة: “لقد أصبحت الرقمنة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وجلبت فوائد هائلة في التعليم والخدمات، لكن غياب أدوات التحكم في المحتوى المعروض جعل بعض هذه التحولات سلاحًا ذا حدين. فالمحتوى السلبي يشتت الانتباه، ويؤثر على جودة النوم، ويُضعف التفاعل الأسري والاجتماعي”.
وتضيف أن دراسات حديثة أثبتت أن تعرض الشباب لأكثر من ثلاث ساعات يوميًا من محتويات التواصل الاجتماعي يزيد من مشكلات الصحة العقلية ويؤثر على جودة الإنتاجية، مشيرة إلى أن الإدمان الرقمي ارتبط بالاكتئاب والقلق والإجهاد النفسي، خاصة لدى الأطفال والمراهقين.
الطفولة في مهب الخطر
تؤكد أبحاث تربوية أن الاستخدام المفرط للإنترنت في سن مبكرة يحول دون تنمية القدرات العقلية، ويؤدي إلى الخمول وتشتت الذهن وضعف التحصيل الدراسي. وتشير الدراسات إلى أن الطفل المفرط في استخدام الأجهزة يعاني ضغوطًا نفسية تحد من قدرته على الاندماج في بيئته المدرسية، وتنعكس على سلوكه بالانعزال والانطواء والخجل.
كما كشفت تقارير أخرى أن الإفراط في الجلوس أمام الشاشات الرقمية يُضعف الدوائر الدماغية المسؤولة عن القراءة والكتابة التقليدية، ويؤدي إلى بطء التعلم وتراجع الإبداع، فيما تُعد الألعاب الإلكترونية مثالًا واضحًا على الانغماس في عوالم افتراضية تُنهك العقل وتبدد الطاقات.
عقل القرد.. والتأثير النفسي

من جانبه، يرى الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن “تعفن الدماغ” أصبح أقرب إلى وباء اجتماعي: “المقاطع القصيرة مثل (الريلز) التي لا تتجاوز 30 ثانية هي القاتل الصامت، حيث تُحدث تشتتًا وشرودًا وتسطيحًا للعقل. الإنسان يتحول إلى ما يشبه عقل القرد، يقفز من فكرة إلى أخرى دون تركيز أو عمق”.
ويضيف أن معظم المستخدمين من الأطفال دون 16 عامًا، وغالبًا ما يصابون بما يسميه “متلازمة العقل غير السعيد”، إذ يقارنون واقعهم بما يشاهدونه عبر الشاشات فيصابون بالإحباط والاكتئاب والتوتر، مما ينعكس مباشرة على إنتاجيتهم وسلوكهم.
جرس إنذار للمجتمع
الكلمة التي أُطلقت كـ”كلمة العام” ليست مجرد توصيف لغوي، بل جرس إنذار يطرح تساؤلات عميقة: كيف يمكننا مواجهة طوفان المحتوى غير الهادف؟ وكيف نوازن بين فوائد الرقمنة ومخاطرها على الصحة العقلية للأجيال القادمة؟