دائماً لا تنظر للأمور من زاوية واحدة ضيقة، فرب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، فرغم فداحة المعاناة الإنسانية التى يتعرض لها الأشقاء الفلسطينيون خاصة فى غزة جراء العدوان وحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على القطاع، ورغم ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين، ورغم أن غزة تحولت إلى مجرد اطلال وأشلاء، ورغم تمادى الإجرام الإسرائيلي، وممارسة شهواته المريضة فى قتل الأطفال والنساء، إلا أن الأزمة أو الشدة التى يتعرض لها الأشقاء، لها أبعاد أخرى إيجابية، هى ثمار وحصاد هذه التضحيات العظيمة للفلسطينيين، هذا الشعب الآبى الذى يملك قدرة عجيبة على التحمل والتمسك بالحياة، والانتماء والولاء للأرض الفلسطينية أصقلته المحن والشدائد، لكنى أتوقف عند نقاط إيجابية ومضيئة بل اعتبرها ثمار ومكاسب المحنة، وتعويضاً حقيقياً لدماء الشهداء، وترسيخاً لحقيقة أنه لا يضيع حق وراءه مطالب ومقاتل جسور، وشعب صلب فما نحسبه نحن البشر محناً وشدائد وشهداء يسقطون، وجرحى يتألمون، لكنه عندالمولى عز وجل منح وينبت منه ثماراً عظيمة كالتالي:
أولاً: على مدار الشهر الثامن، أصبحت القضية الفلسطينية وحقوق الأشقاء المشروعة حديث العالم، لا توجد قضية فى العالم الآن تستحوذ على مثل هذا الاهتمام ليس فقط على المستويات الرسمية «رؤساء الدول والحكومات، والوزراء، والمؤسسات» ولكن أيضاً على مستوى الشعوب خاصة الشباب، أصبح هناك اهتمام كبير وغير مسبوق بالقضية الفلسطينية.
ثانياً: أصبحت هناك إرادة دولية جادة لحل هذه القضية وإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى والإيمان التام بالرؤية المصرية بحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية، والرئيس عبدالفتاح السيسى يثنى على هذا الحل الذى يراه حلاً نهائياً ومستداماً ومانعاً لتجدد الصراع فى الشرق الأوسط، وضمانة أساسية للأمن والاستقرار والسلام فى المنطقة.
ــ من قلب المحن والشدائد تخرج المنح، فالجمعية العامة للأمم المتحدة، صوتت بنسبة فائقة 143 دولة على الموافقة على منح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة فى حين أن ٩ دول رفضت وهى معروفة بمواقفها، وهناك منها مجهولة فى موقعها.. إذن نحن أمام مشهد جديد، ومكسب غير مسبوق يمهد لاعتراف الدول بفلسطين الدولة والعجيب أن هناك دولاً أوروبية صوتت لصالح الاعتراف الكامل بفلسطين ولعل الموقف الاسبانى يستحق التحية منذ بدء العدوان الإسرائيلى وأيضاً يتأكد للجميع أن إسرائيل باتت فى عزلة دولية مكتملة، وحالة من النفور الشعبى على مستوى العالم، الذى عرف حقيقة الكيان الصهيونى وجرائمه وخروقاته المستمرة للقوانين والمواثيق الدولية والأممية، وأيضاً القوانين الإنسانية، ولن تستطيع إسرائيل وأذنابها تجميل وجهها القبيح بالخداع وادعاء المظلوميات والأكاذيب والادعاءات يكفى أن شعوب الأرض أدركت أنها دولة احتلال تمارس الإبادة والتجويع والحصار، وتقتل النساء والأطفال وتدمر المستشفيات والمخابز وتقتل الصحفيين والإعلاميين.
ثالثاً: العدوان الإسرائيلي، وحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال فى ظل المواقف الغربية والأمريكية المتواطئة والداعمة للإجرام الصهيوني، هو بمثابة مسمسار فى نعش النظام الدولى القديم الذى فقد مصداقيته، وأظهر الوجه القبيح من ازدواجية، وكيل بمكيالين، لذلك بات العالم على يقين أنه فى حاجة شديدة إلى نظام عالمى جديد تتحقق فيه العدالة، وهنا الفضل لقوة وتحمل ومعاناة الشعب الفلسطينى الذى يتعرض لحرب إبادة كاملة، ونحن فى حاجة إلى مبادئ وقوانين دولية تطبق على الجميع، ولابد من إعادة النظر فى المؤسسات الدولية، وأساليب اتخاذها للقرارات وأيضاً تمثيل هذا العالم فى مجلس الأمن بما يحقق العدالة.
رابعاً: ما يحدث فى العالم من حراك شعبى وشبابى فى شوارع وميادين دول العالم خاصة أمريكا وأوروبا رفضاً للإجرام وحرب الإبادة والعدوان والقتل للنساء والأطفال والمدنيين والحصار والتجويع خاصة فى ظل ما تشهده من مواقف عظيمة لشباب الجامعات فى أوروبا وأمريكا يشير إلى مكاسب الفلسطينيين وأن دماء شهدائهم لم تذهب هدراً ولكن تكتب الآن تاريخاً جديداً لاستعادة الحقوق المشروعة.
خامساً: العدوان الإسرائيلى المجرم على قطاع غزة كشف المواقف الدولية والإقليمية تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الأشقاء، والحقيقة أن مصر اثبتت للجميع أنها الراعى والداعم التاريخى للقضية الفلسطينية، قدمت ومازالت كل شيء على كافة الأصعدة والمستويات والمسارات من أجل إنقاذ الشعب الفلسطينى وعدم السماح بتصفية قضيته والحفاظ على حقوقه وقدمت ما يقرب من 85٪ من المساعدات الإنسانية لغزة، وفتحت معبر رفح ومازالت على مصراعيه، وحذرت من استمرار التصعيد، والهجوم على رفح بما ينذر باتساع رقعة الصراع وتفاقم المعاناة الإنسانية، وتسعى بشتى الطرق السياسية والدبلوماسية لوقف العدوان، وإنقاذ الأشقاء.
تحيا مصر