لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات نقتنيها، بل أصبحت إطارًا يحدد كيف نعيش في بيوتنا، ويدير تفاصيل حياتنا اليومية..
السؤال لم يعد: “أي تكنولوجيا نشتري؟”، بل “هل هذا الابتكار يجعل حياتنا أفضل وأكثر عدلًا؟”.. فالأنظمة التقنية للمدن الذكية، أو ما يُسمى اليوم بـ”المدن السحابية”، لن تنجح إلا إذا حظيت بثقة المواطنين.
هذا النقاش كان محور منتدى مستقبل المدن لبلدان البريكس “المدن السحابية ” الذي استضافته موسكو الشهر الماضى، اجتمع أكثر من 13 ألف مشارك من 42 دولة، بينهم خبراء من الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، ليتبادلوا الرؤى حول مستقبل المدن.
“المدن السحابية” سيكون لكل فرد فيها “توأم ذكاء اصطناعي” يراقب صحته، ويقترح تطوير مهاراته، بل ويساعد في إدارة الموارد وحل النزاعات الأسرية.. رؤية طموحة، لكنها تفتح الباب أمام سؤال أخلاقي كبير: ما حدود تفويض القرار للآلة؟
جلسات المنتدى قدمت تصورًا لثلاث مراحل من تطور المدن الذكية: بداية من الرقمنة البسيطة، مرورًا بتكامل الأنظمة، وصولًا إلى التحول المرتكز على الإنسان.
ناقش قادة المدن العالميون كيف تشكل التقنيات الحديثة الأساس لتنافسية المدن، إلى جانب قضايا الاقتصاد الهجين، والبنية التحتية الرقمية، والروبوتات، والحلول القائمة على المنصات التي ستحدد شكل المدن الضخمة في المستقبل.
المنتدى لم يكن حوارًا نظريًا فقط، بل شهد استعراض ابتكارات عملية، مثل الروبوت “بيكسل” المنظف للشوارع في موسكو، والترام بدون سائق، وأنظمة مراقبة مواقع البناء. حتى برنامج الأعمال نفسه شاركت فيه روبوتات كميسرين افتراضيين.
ولعل فوز موسكو بجائزة “الروبوتات المرتكزة على الإنسان” يوضح أن السباق العالمي لبناء مدن قائمة على الذكاء الاصطناعي والروبوتات لم يعد فكرة مستقبلية، بل واقعًا يتشكل الآن.
لكن بين الطموح والواقع، يظل التحدي قائمًا: كيف نضمن أن هذه المدن السحابية ستخدم الإنسان فعلًا، لا أن تحوله إلى تابع للآلة؟ التكنولوجيا قادرة على تعزيز الكفاءة والسرعة، لكنها لا تكفي وحدها. المطلوب هو منظومة قيمية وتنظيمية تجعل من الابتكار وسيلة لتحقيق العدالة، وتكافؤ الفرص، وجودة الحياة.
إن “المدن السحابية” ليست مجرد قصة عن روبوتات ذكية أو منصات رقمية، بل اختبار لخياراتنا المجتمعية: هل نريد مدنًا أسرع وأذكى فقط، أم مدنًا أكثر إنسانية؟