أطلقت القاهرة مجموعة من التحذيرات التى أدرك العالم أهميتها جيداً
فى أحيان كثيرة يكون التصعيد السياسى والدبلوماسى أكثر فاعلية وتأثيراً من التصعيد العسكرى وأحياناً تكون السياسة أقوى من الحرب فالمعارك والنزلات السياسية والدبلوماسية تحقق نصراً بلا خسائر مادية أو فى الأرواح، بمعنى نصر بدون إطلاق رصاصة، فما بالنا إذا كنا ندرك أن عدوك، يريد جرك واستدراجك ليس لأنه لديه الثقة فى هزيمتك على الإطلاق بل هو الطرف الأضعف ويدرك ذلك جيداً ولكنه يسعى لجرك إلى معترك ومستنقع الاستنزاف وفق مؤامرة تحقق له أهدافه فى إضعافك لأنه لا يريدك قوياً، يسعى بكافة الطرق، لإفشال وإجهاض مشروعك نحو الصعود والتقدم، لذلك يمارس الاستفزاز، والتصعيد ويتحايل بشتى الطرق لإفشال حصارك السياسى والدبلوماسى من أجل ألا تنجح جهود إنهاء التصعيد والاستفزاز والعدوان والعربدة الممنهجة وجرائم الحرب الوحشية المدبرة والمخططة، وهنا بات الثبات والإصرار على محاصرته سياسياً، والتصعيد الدبلوماسى إقليمياً ودولياً وأممياً، بل وفى المحاكم الدولية، حتى يصبح أكثر عزلة، وانكشافاً، وأحياناً يكون الرهان على الزمن أو الوقت ليس فى صالحه ويتسبب فى خسائر فادحة له على كافة الأصعدة فى الداخل حيث اتساع رقعة الانقسام والانشقاق فى المجتمع، ويتصاعد الخلاف، وتترسخ أجواء عدم الثقة، والفشل المتكرر والمتواصل دون تحقيق أى أهداف، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية شديدة القسوة والوطأة نحن فى معارك السياسية والدبلوماسية أشبه بلعبة «الشطرنج».
مصر بقيادتها السياسية الحكيمة والواعية والمنتهجة جيداً لمحاولات ومخططات استدراج مصر، تحاصر العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وتحبط محاولاته ومخططه من أجل تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير سكان القطاع.. وبالسياسة الدبلوماسية الرئاسية، والتحركات النشطة دولياً وإقليمياً وأممياً وقضائياً، باتت القضية الفلسطينية بفضل «مصر ــ السيسي» هى حديث العالم، وذلك لثوابت مصر الواضحة والشريفة ومواقفها المحددة، ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلى تدرك مصر جيداً أهدافه، واتخذت من المواقف والقرارات لرفض المخطط الإسرائيلى الذى يسعى لتصفية القضية الفلسطينية على حساب أمننا القومي، لذلك اتخذ التصعيد السياسى والدبلوماسى المصرى مسارات عديدة وهى ربما أكثر إيلاماً من الحروب، فقد كشفت نوايا الصهاينة، وفضحت أهدافهم الشيطانية أمام العالم، فى التالي:
أولاً: أعلنت القاهرة مواقفها بشكل واضح وحاسم وقاطع أنه لا تصفية للقضية الفلسطينية ولا تهجير للفلسطينيين خارج أراضيهم، ولا قبول بدفعهم نحو الأرض المصرية لتوطينهم فى سيناء مهما كانت الضغوط والإغراءات وأن ذلك هو «خط أحمر» وأمن قومى لا يمكن التهاون أو التفريط فى حمايته ولم تنجح دولة الاحتلال المدعومة بقوى الشر فى تحقيق أى هدف بسبب قوة وصلابة الموقف المصري.
ثانياً: تحولت القاهرة لمركز عالمى للبحث عن حل لإنهاء هذا العدوان وتلقت القيادة السياسية مئات الاتصالات من زعماء العالم، والتقت الكثير منهم لتعلن بوضوح وحسم موقفها دون مواربة ودون قبول لأى رؤى أخرى مغايرة لهذا الموقف، بل وأذاعت لقاءات على الهواء مباشرة ليعلم العالم أن موقف مصر واضح ومحدد فى السر والعلن وهو ما جرى خلال لقاء الرئيس السيسى وزير الخارجية الأمريكى انتونى بلينكن، وعقدت مصر «قمة القاهرة للسلام» من أجل القضية الفلسطينية، وإنهاء العدوان وأعلنت موقفها بكل حسم.
ثالثاً: أطلقت القاهرة مجموعة من التحديرات المدوية التى أدرك العالم أهميتها جيداً وأثارت مخاوفه، بل وتحققت نتائج وتداعيات، فقد حذر الرئيس السيسى من خطورة استمرار التصعيد والعدوان الذى من شأنه يؤدى إلى اتساع رقعة الصراع وينذر بحرب شاملة فى المنطقة، وهو ما بدت نتائجه تتحقق من خلال فتح العديد من الجبهات، فى لبنان واليمن والعراق، وإيران، وحدوث اضطرابات فى البحر الأحمر تهدد التجارة العالمية، وتأثرت قناة السويس بسبب هذه الاضطرابات، كما حذر الرئيس السيسى من عرقلة إسرائيل لدخول المساعدات الإنسانية فى ظل المعاناة الكارثية للفلسطينيين، وأيضاً حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال، وحذر أيضاً من الهجوم واجتياح مدينة رفح الفلسطينية فى إحداث خسائر فادحة، وتفاقم المعاناة والكارثة الإنسانية فى القطاع، وهو ما تحقق بالفعل بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح من الجانب الفلسطينى وهو ما يدحض أكاذيب دولة الاحتلال من قبل باتهام مصر بالحيلولة دون دخول المساعدات رغم انها استهدفت معبر رفح من الجانب الفلسطينى بالقصف ٤ مرات، ورغم أن مصر تفتح المعبر على مصراعيه على مدار الساعة لذلك فإن سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح من الجانب الإسرائيلى يفضح نوايا وأكاذيب إسرائيل، بعد ان كان ومازال المعبر هدفاً لجرائمها ومن أجل أطباق الحصار على سكان القطاع، ويعد أيضاً توقف معبر كرم أبوسالم من العمل، وهو ما تكشفه مصر بوضوح خاصة انها نظمت زيارات لكبار مسئولين فى العالم فى مقدمتهم انطونيو جوتريش الأمين العام للأمم المتحدة، وأعلنت مصر مؤخراً تحميل الجانب الإسرائيلى مسئولية إغلاق معبر رفح وتداعيات ذلك على تفاقم المعاناة الإنسانية ورفضت التعاون مع إسرائيل أو التنسيق بشأن المعبر لأنه ليس من اختصاص إسرائيل.
رابعاً: وضعت مصر المسئولية كاملة لتصرفات وتصعيد إسرائيل وانتهاكاتها للقانون الدولى أمام الجانب الأمريكى ليتحمل مسئولياته فيما قد يحدث، وهو الأمر الذى قابلته واشنطن، بالتأكيد على أهمية مصر كحليف إستراتيجى لا يمكن التفريط فيه، وبالتالى فإن مصر تتحرك سياسياً ودبلوماسياً وقانونياً فى كافة الاتجاهات، وتحشد العالم، ومنظماته، وشعوبه من أجل التصدى للمخطط الصهيونى الذى بات مكشوفاً وعارياً أمام العالم بجرائمه وانتهاكاته، وإجرامه، وحرب الإبادة التى يقودها ضد الفلسطينيين من المدنيين الأبرياء وقتل الأطفال والنساء.
خامساً: وفى إطار التصعيد السياسى والدبلوماسى والقانوني، اتخذت مصر خطوة جديدة وهى إعلان اعتزامها التدخل رسمياً لدعم الدعوى التى رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية للنظر فى انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعاتية عليها فى قطاع غزة وهو مسار مهم يزيد من تأثير وفاعلية الدعوي.
من هنا فإن التصعيد والحرب السياسية والدبلوماسية ستؤتى ثمارها، فى ظل أن الوقت لا يخدم إسرائيل لأسباب كثيرة، أبرزها انقسام حاد فى الداخل مع استمرار الفشل الذريع وتفاقم الخسائر الاقتصادية، وأيضاً عزلتها وكذلك ضغوط الرأى العام العالمى على مستوى الشعوب على قادة وزعماء الدول الكبرى المؤيدة لإسرائيل لذلك سوف تنتصر مصر.. دون إطلاق رصاصة واحدة، والأيام بيننا.
تحيا مصر