تحت أشعة الشمس الحارقة أمضيت يوما كاملا فى الدلتا الجديدة وأنا أسابق الزمن و قبل حلول الظلام لاستكمال تصوير العدد الأكبر من مشروعات التنمية الزراعية والصناعية فى مشروع مستقبل مصر، فالمساحات شاسعة ومترامية الأطراف وفى أعماق الصحراوات التى لم تطئها قدم إنسان من قبل، زراعات متنوعة من حبوب وخضراوات وفواكه وبساتين تغطى مئات الآلاف من الأفدنة تتخللها صوامع ومصانع وأسواق فى مشهد عبقرى نادر، أخبرنى أحد المساعدين بضرورة إيقاف التصوير والاكتفاء بما تم فالوقت داهمنا ولابد من المغادرة حتى نلحق بموعد البرنامج فى الثامنة مساء، وبسرعة البرق انهيت مهمتى وانطلقت الى القناة فى وقت قياسى ودخلت الاستوديو وبدأت فى استعراض اهم الاخبار وتقديم « الإنترو» كالمعتاد، كانت آثار الشمس بادية على وجهى بشكل يشبه ما يطلقون عليه «تان» وكنت أشعر بدوار وإرهاق شديدين وكأننى أصيبت بضربة شمس، وبعد فاصل حضر اثنان من الضيوف أحدهما دبلوماسى شهير وضيف دائم على الفضائيات، فسألنى انت جاى من البحر؟ قلت وانا فى قمة السعادة أنا قادم من الدلتا الجديدة، فقال متندرا، دلتا وجديدة ؟ دى فين دي؟ أجبته بمنتهى الجديه على جانبى طريق الضبعة وفى عمق الصحراء هناك كذا وكذا ولم يمهلنى الرجل حتى أكمل وقال مقاطعا وفى عينه قدر من السخرية الماكرة انا أمرّ على هذا الطريق ولم أر على جانبيه أية مشروعات ولا مساحات خضراء، فقلت له أنا قادم للتو من هناك وقمت بتصوير قرابة السبع ساعات من داخل هذه الحقول، فرد بسرعة وعدم اكتراث لما قلت وانا متأكد أن طريق الضبعة محور روض الفرج وتحيا مصر لا توجد به اى مشروعات زراعية !! هنا اسقط فى يدى وتساءلت لماذا يغلق الرجل عقله على معرفة الحقيقة ؟ لماذا أراد ان ينتصر لصور زائفة ترقد فى عقله المعتل وخياله المريض، وعدت سريعا إلى موضوع الفقرة وكانت حرب الوضع فى غزة، وبالأمس ذهبت إلى إحدى كليات الإعلام الخاصة لأشارك فى ندوة عن الوعي، سألت الطلاب من منكم يعرف ان هناك دلتا جديدة مساحتها 2.2 مليون فدان فلم يرد أحد، فسألت من منكم شاهد او تابع عبر الشاشات او السوشيال ميديا او المواقع الإخبارية فعالية افتتاح مريم حصاد القمح والبنجر امس ؟ وكانت الإجابة الصادمة أن طالبا واحداً او طالبة واحدة تابع الفعالية او صادفها عبر برامج وتطبيقات «السوشيال ميديا»، شعرت حينها بغصة وصدمة وتقصير وضرورة الالتفات إلى هذه الشريحة المنسية، فى نفس اليوم ذهبت الى القناة لأقدم الحلقة اليومية وأثناء إعدادى الحلقة قبل تقديمها فوجئت بمقال للدكتور محمد أبو الغار العالم الفذ الذى يصفه البعض بأنه تفلت من عصر الصحابة والتابعين إخلاصا ووعيا ووطنية يقول فيه « زيادة الرقعة الزراعية فى مصر بين الحقيقة والخيال « ويسوق الرجل مجموعة مانشيتات صحفية محاولا إثبات ان هناك تضارب فى ارقام وتصريحات الدولة حول هذه الأرقام، ومن قراءة تفاصيل المقال تجد ان ابو الغار يبدو غير سعيد على الإطلاق بما رآه وسمعه وقرأه عن المشروعات الى تم افتتاحها فى اليوم السابق بحضور الرئيس السيسي، وكأن الرجل «صعبت عليه نفسه» أن يرى هذا الإنجاز يتحقق على أرض مصر ويرى الناس مبسوطة ومتفائلة ! لن أدخل فى نوايا أحد ولن أشكك فى إخلاص وتجرد أحد لكننى حزين.. حقا حزين.