عققت أبناءك قبل أن يعقوك: إنها القصة الشهيرة التى تحكى أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد، ليؤنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه حقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟ قال بلى، قال فما هى يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقى أمَّه ويحسن اسمَـه ويعلمه الكتاب، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبى لم يفعل شيئًا من ذلك. أمّا أمى فإنها زنجية كانت لمجوسى، وقد سمانى جُعَلاً ـ أى خنفساء، ولم يعلمنى من الكتاب حرفاً واحــداً، فالتفت عمر إلى الرجل و قال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقـــك، وأسأت إليه قبل أن يسىء إليك! تعلمنا منذ الصغر، بر الوالدين وحدثنا القرآن الكريم عن عقوق الوالدين ولكن أين حق الأبناء الذى هو فى القرآن أيضًا؟ فالله «سبحانه وتعالى» قال: «يوصيكم الله فى أولادكم» فأشاهد فى الحياة هذا الأب الذى انفصل عن أمه، والأم التى انفصلت عن زوجها، وتركوا الأبناء يعانون بالحياة!.وهذه الأم وهذا الأب اللذان أنجبا ابنة ليست جميلة، ودائما تسمع منهم كلمات تؤذى النفس! هذه الابنة التى تخشى عليها الأم بأن تصبح «عانسا» وتزوجها رغمًا عنها لتدفع الابنة الثمن بأن تعيش طيلة حياتها فى جحيم وهذه الأم التى تجاوزت ابنتها مرحلة الزواج، فتبدأ بمعاملتها معاملة سيئة وكأنها يجب أن تموت خوفًا من العار، ولا تعلم الأم أنها ترتكب ذنبًا باعتراضها خلق الله!.هناك العديد من الأبناء يظلمهم والديهم، وهناك من لا يستطيع التحدث خوفًا من عقوق الوالدين ودائمًا الآباء يسترشدون بالدين عندما يصدر من أحد الأبناء شكوى أو ضيق نفس من سوء المعاملة، أين رجال الدين من ذلك؟!..دائمًا ما يحدثوننا عن عقوق الوالدين، ولكن لم يتحدثوا قط عن عقوق الأبناء، وكأن الأبناء أصبحوا حيوانات لا تشعر، وكأن الأبناء جمادات لا تشعر بالإساءة والمهانة، أين الدولة – متمثلة فى وزاراتها كوزارة الأوقاف والثقافة والتربية والتعليم – من ذلك؟ من يدفع ثمن تلك الجريمة التى تنشئ جيلاً معقدًا نفسيًا! وكأن الأبناء يدفعون ثمن عدم إيمان آبائهم!.فسبب ما يحدث هو نقص الدين وعدم فهمه، وعدم اتباع القرآن الكريم والسنة، فالكثير من الأبناء يشتكون من عدم حث أبنائهم على الصلاة والدين، بل بالعكس يحثونهم على العرى، وسمعت قصصًا كثيرة عن ذلك وشاهدت نماذج أمامى من الواقع كذلك، فشاهدت الأم التى تترك ابنتها تدخن الشيشة والسجائر على سبيل أنها لارج وبنت ناس! وهذا الابن الذى يشرب المخدرات هروبًا من حياته بسبب إهمال أبويه له، وشاهدت قصصًا كثيرة تدعو للحزن، فالعديد من الآباء فاهمين أن الحياة الحرة الكريمة التى يمنحونها لأبنائهم تتمثل فى الأكل والشرب والعربية والمنزل، لكن لا يعلمون أن الأبناء بحاجة إلى حنان وعطف، يحتاجون من يأخذ بأيديهم لبر الأمان، محتاجين من ينصحهم نصيحة أمينة حتى لا يلجأوا إلى أصدقاء السوء، تذكرت حديث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام «يأتى زمان على أمتى القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار»، وأعتقد أننا بصدد هذا الزمان الذى غابت عنه الأئمة، ولم يناقشوا المسائل التى تؤرق مجتمعنا، بل تؤثر على الدولة بأكملها، فما ينتج عن عقوق الآباء للأبناء جيل معقد نفسيًا وينتقل التعقيد من جيل لجيل، ثم نتساءل بعد ذلك لما يبدو البعض معقدين؟!









