يبدو أن الاختلاف أصبح هو سمة العصر.. الاختلاف لسبب.. والاختلاف بدون سبب.. الاختلاف فى السياسة والاقتصاد والأدب والفن والعلم والطب.. وعندما يتعلق الأمر بالطعام والشراب والصحة وأسباب اعتلالها.. وبطرق الوقاية من المرض.. فإنه يخلو من الرحمة.. ولا ينطبق عليه القول المأثور «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية».. وليس أدل على ذلك من الاختلاف حول المياه المنقاة بالكلور.. فقد خرج علينا فريق علمى «اختلافى» ليؤكد أن الأبحاث العلمية المعملية الفذة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن المياه المحتوية على النسب المقررة والمسموحة من الكلور ضارة جدا بالصحة.. وانه يجب على الحوامل بالذات الامتناع التام عن تناول هذه المياه.. لان الكلور مادة كيمائية سامة.. وهى تسبب الإجهاض وتشوهات الأجنة.. والغريب أن العلماء الأفذاذ لم يفسروا لنا سبب عدم إصابة اكثر من مليار امرأة يتناولن المياه المحتوية على الكلور بالإجهاض.. أو عدم إصابة مئات الملايين من المواليد الجدد بالتشوه.
وتتوالى التحذيرات.. من علاقة مياه الكلور النقية بإصابة الأطفال بالربو نتيجة السباحة فى الأحواض أو المسابح لاحتوائها على تركيزات عالية من الكلور الذى يتسرب إلى الجسم سواء عبر الجلد أو نتيجة ابتلاع كميات من الماء أثناء السباحة.. ومرة أخرى لم يقدم لنا العلماء الذين أطلقوا مثل هذه التحذيرات ما يؤكد جدية تحذيراتهم باستثناء بعض التجارب غير الدقيقة على الفئران.. ولم يوضحوا لنا البديل.
وكالعادة خرج من العلماء من يرفض بشكل قاطع هذه التحذيرات التى وصفوها بالعبثية.. وأكد الكثيرون منهم أن مثل هذه النوعية من الأخبار تثير البلبلة والشك فى نفوس الناس بغير سند علمى دقيق.. ولكن للأسف فإن هذا الاختلاف الذى يفسد الود يترك تأثيره على الناس ويحول حياتهم إلى جحيم.
وعلى سبيل المثال دعا علماء ألمان إلى عدم حرمان الأطفال والكبار المصابين بمرض الربو من السباحة فى الماء المعالج بالكلور لأن ذلك لا يفاقم حالة ضيق التنفس التى يعانى منها المصاب.. وذكرت مجلة «عيادة الطبيب» الناطقة باسم نقابة الأطباء الألمان أن الحركة فى الماء تقلل حساسية القصبات الهوائية للمواد المقرحة.. وأن هواء المسابح الدافئ والرطب ينعكس إيجابيا على مرض الربو.. كما لا يتعرض المصابون بالربو إلى مضاعفات بسبب الكلور إلا فى حالات نادرة جدا.. وأن مادة الكلوروفورم التى قيست فى ماء وأجواء المسابح لم تكن مؤثرة صحيا.
وأكد ناشطون بيئيون أميركيون أن المستويات المرتفعة من نواتج معالجة مياه الشرب بالكلور تزيد من مخاطر تعرض الحوامل للإجهاض أو ولادة أطفال بعيوب خلقية.. مؤكدين أن حوالى 137 ألف امرأة فى أنحاء الولايات المتحدة يواجهن مخاطر متزايدة أثناء الحمل بسبب تلوث مياه الشرب.. فيما انبرى عدد كبير من أساتذة الطب فى الجامعات العربية والأجنبية إلى التصدى لهذا التحذير مؤكدين أن مياه الصنبور آمنة وصالحة ولا تسبب الإجهاض ولا التشوهات الجنينية.. وأن مئات الملايين من النساء فى شتى بقاع الأرض يعتمدون على هذه النوعية من المياه.. ويكملن حملهن بأمان ويلدن أطفالا أصحاء.
ومرة أخرى تتكرر التساؤلات الحائرة.. من نصدق ولماذا؟.. وإذا صدقنا فريق المحذرين فماذا نفعل؟.. ما هو البديل؟.. هل تستطيع كل سيدة حامل أن تتناول المياه المعدنية المعلبة؟.
نحن نطالب الناس أن يطلعوا على المستجدات الطبية.. نؤكد أهمية الثقافة الصحية فى رفع مستوى الوعى الوقائى.. وعندما يفعلون يصابون بالحيرة والتشويش والبلبلة.. والسبب هو العلماء أنفسهم.