كان يوما استثنائيا بحق، حُفرت كل تفاصيله فى وعاء الذاكرة، أصابتنى حالة نادرة من الدهشة دخلت على إثرها فى نوبة حماسة غير مسبوقة فكان الفخر سيد الموقف، وقفت متأملا محاولا ضبط ايقاع مشاعرى المتناقضة بين ما أحمله من غضب وما آراه من حب، وحتى لا أغوص فى تفاصيل ومنمنمات نفسية نتيجة المقارنات والمقاربات المضطربة، فقد ذهبت أتتبع ذلك النهر الصناعى الذى طالما قرأت عنه فى إطار المشروع القومى الدلتا الجديدة وكذلك افتتاح موسم الحصاد للقمح والبنجر والبطاطس التى غُرست بأياد مصرية عفية مخلصة، لقد وجدت هناك شباباً مصريين يستحق كل منهم وسام الاستحقاق والتقدير من الدرجة الاولى، هؤلاء الشباب الذين آمنوا بوطنهم ومشروعهم الوطنى وزعيمهم الإصلاحى استطاعوا قهر القهر وإذلال المستحيل، لقد حفروا نهرا لمسافة 174 كم ينطلق من شمال غرب الدلتا القديمة متجها إلى الجنوب حيث وجهته المرسومة الى قلب الدلتا الجديدة وعكس انحدار ومنسوب الارض بارتفاع 80 متراً تقريبا، من خلال انشاء 12 محطة رفع على طول النهر للتغلب على الطبيعة الطبوغرافية لمسار النهر، كنا نقول «المية مبتطلعش فى العالى» لكن شباب مصر طلعوها فى أعلى عليين وشقوا نهرا صناعيا هو الأطول فى العالم، يتم تغذية النهر من ايرادات المياه الناتجة عن الصرف الزراعى فى شمال وغرب الدلتا بحوالى 6.5 مليون متر مكعب يوميا يضاف اليها مليون متر مكعب آخر من مياه ترعة النصر ليصل المجموع الى 7.5 مليون متر/يوم، تصل هذه الكمية الضخمة من المياه الى محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعى بقدرة 7.5 مليون متر مكعب فى اليوم وهى المحطة الأكبر فى العالم كله، ثم يتم ضخ هذه المياه فى ترعة تستعد لاختراق ورى وإحياء نصف مليون فدان جديدة فى الدلتا الجديدة، وهنا يجب التنويه الى محطة المحسمة فى سيناء والتى تعالج مليون متر مكعب يوميا يضاف اليها 5.6 مليون متر مكعب/ يوم ناتج محطة المعالجة العملاقة فى بحر البقر ليصبح إجمالى ما يتم معالجته يوميا 13.1 مليون متر مكعب/ يوم ليصبح لدينا 5 مليارات متر مكعب من المياه المعالجة والصالحة لزراعة جميع انواع الزراعات سنويا تضاف الى ايرادات نهر النيل الثابتة والتى تصل إلى 55.5 مليار متر مكعب سنويا ليصبح لدينا محصول مائى من ايراد النهر الصناعى والنهر الطبيعى ومحطات المعالجة 60.5 مليار متر مكعب، معنى ذلك أننا ومن خلال افكار مبتكرة استطعنا زيادة ايرادات المياه بنسبة 10 ٪ سنويا وهذا يمثل إنجازًا علميا ومائيا غير مسبوق، شباب مصر العظيم الذى آمن بقيادته التى تقودنا الى جمهورية جديدة قرأت فى أعينهم الحب والوفاء والاخلاص والقوة والتحدى والعزيمة والكفاح فكان النجاح منقطع النظير وكانت مشاعرى الحائرة بين ما آراه من انجازات وما تستحقه من اهتمام دائم ومستدام وبين معارك واشتباكات مع الغوغائية والمرتزقة من اعداء مشروعنا الوطنى، لكن المفاجأة جاءت على لسان الشباب الوطنى الذى وقفت عاجزًا عن شكرهم والاحتفاء بهم إذ قالوا نحن هنا نعمل ونبنى ونعمر وأنتم تواجهون أصوات الهدم والضلال وجميعنا فى مركب واحد، هنا فقط ايقنت أن سفينة الوطن بين أياد وسواعد فتية قوية تحت راية وطن لا يضام ووراء قائد يتقى الله ويردد دائما إن أريد إلا الإصلاح.