مازال الحديث مستمرا حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيع خاصة فى مجال الإنتاج الزراعي.
ويواجه قطاع الإنتاج الزراعى فى مصر تحديات كبيرة تتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة لضمان الأمن الغذائى وتحقيق التنمية الاقتصادية. فى ظل تزايد عدد السكان، وشح الموارد المائية، أصبح التفكير فى وسائل جديدة لزيادة الإنتاج الزراعى أمرًا حتميًا. وتعد زيادة مصانع الإنتاج الزراعى خطوة استراتيجية نحو تحقيق هذا الهدف، فهى تمثل نقلة نوعية من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الحديثة التى تعتمد على التكنولوجيا والتصنيع. هذه المصانع التى تعرف أيضًا بالزراعة المحمية أو الزراعة العمودية، لا تقتصر وظيفتها على إنتاج المحاصيل فحسب، بل تمتد لتشمل عمليات التصنيع الغذائي، والتعبئة، والتغليف، مما يضيف قيمة اقتصادية كبيرة للمنتجات الزراعية. إن إنشاء المزيد من هذه المصانع يوفر العديد من المزايا. أولًا: يساهم فى ترشيد استهلاك المياه، فأنظمة الزراعة المائية والزراعة الهوائية التى تستخدم فى هذه المصانع تقلل من استخدام المياه بنسبة تصل إلى 90٪ مقارنة بالزراعة التقليدية، مما يتوافق مع استراتيجية الدولة لمواجهة ندرة المياه. ثانيًا: تتيح هذه المصانع الإنتاج على مدار العام، بغض النظر عن الظروف المناخية أو الموسمية، حيث يمكن التحكم الكامل فى درجة الحرارة، والرطوبة، والإضاءة، مما يضمن توافر المنتجات الزراعية الطازجة بشكل مستمر فى الأسواق. وهذا يقلل من تقلبات الأسعار ويضمن استقرار إمدادات الغذاء. ثالثًا: تزيد من كفاءة استخدام الأراضي، فباستخدام أنظمة الزراعة العمودية، يمكن إنتاج كميات هائلة من المحاصيل فى مساحات صغيرة جدًا، مما يحل مشكلة ندرة الأراضى الصالحة للزراعة ويفتح الباب لاستغلال الأراضى الصحراوية والأراضى غير الصالحة للزراعة التقليدية.
وعلاوة على ذلك تلعب مصانع الإنتاج الزراعى دورًا حيويًا فى تحسين جودة المنتجات وسلامتها. فبيئة الإنتاج المغلقة تقلل من التعرض للآفات والأمراض، مما يقلل من الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية، ويؤدى إلى إنتاج محاصيل عضوية وصحية. كما أن التحكم الدقيق فى المغذيات يضمن حصول النباتات على ما تحتاجه بالضبط، مما يعزز من قيمتها الغذائية. وهذا يصب فى مصلحة المستهلكين الذين يبحثون عن خيارات غذائية آمنة وصحية. ومن الناحية الاقتصادية، تساهم هذه المصانع فى خلق فرص عمل جديدة فى مجالات تتطلب مهارات فنية وتقنية عالية، مثل الهندسة الزراعية، وعلوم الأغذية، والإدارة اللوجستية، مما يدعم جهود الدولة فى تنمية الموارد البشرية وتأهيل الشباب لسوق العمل. كما أنها تعزز من القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية، حيث يمكن تصدير المنتجات المصنعة ذات القيمة المضافة، مما يزيد من إيرادات الدولة من النقد الأجنبي.
ولتحقيق التوسع المنشود فى مصانع الإنتاج الزراعي، يتطلب الأمر تضافر الجهود من القطاعين العام والخاص. وعلى الحكومة أن توفر حوافز استثمارية للمستثمرين فى هذا المجال، مثل تقديم الأراضى بأسعار مناسبة، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتوفير الدعم المالى والقروض الميسرة. كما يجب عليها الاستثمار فى البنية التحتية اللازمة، مثل شبكات الكهرباء والمياه والطرق فى المناطق الصناعية الزراعية. كما يجب على القطاع الخاص أن يتبنى هذه التكنولوجيا الحديثة ويستثمر فيها، مع التركيز على البحث والتطوير لتحسين الإنتاجية وتطوير سلالات نباتية تتكيف مع البيئة المحلية.
إن زيادة مصانع الإنتاج الزراعى فى مصر ليست مجرد خيار، بل هى ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات المستقبلية وضمان استدامة قطاع الغذاء. فمن خلال تبنى هذه المصانع، يمكن لمصر أن تتحول من بلد مستورد للغذاء إلى قوة إقليمية فى الإنتاج والتصنيع الزراعي، مما يعزز من أمنها القومى ويحقق الاكتفاء الذاتي. إن الاستثمار فى هذه الصناعة هو استثمار فى مستقبل مصر، فهو يجمع بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويفتح آفاقًا جديدة للنمو والازدهار.
وللحديث بقية









