شهدت السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي لم تقتصر على المجال الصناعي أو التعليمي فحسب، بل امتدت لتؤثر بشكل مباشر على أنماط التفكير والسلوك الإنساني، ورغم أن هذه التقنية تقدم حلولًا مبتكرة، وتسهل جوانب كثيرة من الحياة اليومية، إلا أنها تثير مخاوف متزايدة على الصعيد النفسي والاجتماعي والأخلاقي.
ومع الانتشار السريع للتقنيات التوليدية والمساعدات الرقمية، ظهر جدل واسع حول ما يُعرف بـ”ذهان الذكاء الاصطناعي”. تثير هذه الظاهرة المخاوف من أن يؤدي الإفراط في التفاعل مع هذه الأنظمة إلى ظهور أعراض نفسية مشابهة للذهان العقلي، واضطراب القدرة على التمييز بين الواقع والمحتوى المُصطنع.
كما أن التعلق العاطفي الزائد بالمساعدات الرقمية قد يقود إلى نوع من الهوس بالمحادثة والدردشة معها، وهي حالة قد تحمل ملامح قريبة من الذهان، لكنها تبقى حالة نفسية مكتسبة، وليست مرضًا دماغيًا داخليًا.
وهذا المصطلح لا يُعَد تشخيصًا طبيًا معتمدًا، لكنه أصبح وصفًا دارجًا لحالات من الأوهام والمعتقدات الخاطئة، بما في ذلك (أوهام العظمة)، أو الاعتقاد بامتلاك قوى خارقة، نتيجة اعتماد المستخدمين على المحادثات المطوّلة مع روبوتات الذكاء الاصطناعي.
وغالبًا ما يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى هذه الأدوات بحثًا عن دعم نفسي أو استشارات رخيصة الثمن، قبل أن تتحول التجربة إلى اضطراب عقلي خطير، ولكن الخبراء يرون أن العلامات التحذيرية لهذه الحالة تبدأ حين يقضي الشخص ساعات طويلة مع الذكاء الاصطناعي، على حساب حياته الواقعية، أو حين يتعامل معه كأنه شخص حي يمتلك وعيًا.
وتتضح الخطورة أكثر عندما يبدأ الفرد بفقدان الحدود بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي، ويتراجع تواصله مع أسرته وأصدقائه، ويصل الأمر أحيانًا إلى الاعتماد على هذه الأنظمة في اتخاذ قرارات حياتية حساسة، دون مراجعة بشرية، وهو ما يعد مؤشرًا مقلقًا للغاية.
قد يخلق الاعتماد على المحادثات مع الذكاء الاصطناعي ما يُسمى بالعلاقة الزائفة أو “شبه العلاقة”، أي ارتباط يبدو في ظاهره علاقة، لكنه يفتقر إلى جوهر العلاقات الإنسانية الحقيقية. فالمساعد الرقمي لا يمكنه أن يقدّم دفئًا اجتماعيًا أو تعاطفًا بشريًا، وقد يكون متنفسًا مؤقتًا لمن يشعر بالوحدة، لكنه لا يعوّض التواصل الحقيقي، ويبقى الاعتماد الكلي عليه يقود تدريجيًا إلى العزلة، وربما الاكتئاب.
ومن الضروري دمج التوعية بمخاطر الذكاء الاصطناعي في برامج الصحة النفسية والمناهج التعليمية، مثلما يتم التحذير من إدمان الإنترنت أو الألعاب الإلكترونية.