زمن نور الشريف يعنى أن تعيش للفن كما عاش لك ونقلك من بين العوام إلى قمة الهرم الاجتماعي.. وان تطور من أدواتك حتى وان كنت من الذين درسوا وتأهلوا بل وتفوقوا إلى درجة الامتياز التى حصل عليها عند تخرجه فى معهد الفنون المسرحية.
ويعنى ان تكون مع وطنك لحظة بلحظة لا تنشغل عنه وقد أكرمك واحاطك باهتمامه على أعلى المستويات.
ومعناه أيضاً ان تلعب الأدوار المهمة وان اختلفت فى توجهاتها كما فعل الناصرى فى أفلام هاجمت عبدالناصر.. واختلف مع الانفتاح.. ودافع عن القضية الفلسطينية من جيبه وانتاجه الخاص عندما تصدى لفيلم «ناجى العلي».. وهو الرسام الشهير الذى كانت له رسوماته المثيرة.. يدافع فيها عن وطنه.. وان هاجم السلطة وكان على رأسها ياسر عرفات فى هذا الوقت.. وتعرض نور بسبب هذا العمل إلى حملة نالت منه.. ولكنها ذهبت وظل «الشريف» نجماً يحترم فنه ويحيط به الجمهور العربى كله من كل مكان ويتم تكريمه داخلياً وخارجياً.. وكيف لا.. وقد عاش يأخذ من الفن ويعطيه وينتج ما يقدم أجيالاً جديدة من المؤلفين والمخرجين والكوادر الفنية العديدة.. حدث هذا فى «حبيبى دائماً وضربة شمس، ودائرة الانتقام ،وناجى العلي».. وكان له الفضل على محمد خان وسمير سيف وعاطف الطيب وداود عبدالسيد.. وتسأله لماذا ساندت هؤلاء؟.. ويكون جوابه هذا الجيل الذى درس على أعلى المستويات ظهر فى وقت كان القطاع العام قد أغلق أبواب الانتاج السينمائى ولأنها اسماء جديدة لم تجد من يتحمس لها ولتجاربها المختلفة وكانت السينما التجارية هى التى تسيطر على الموقف وهنا اتجه إليهم نور وهو فى قمة نجوميته لكى يقدم هؤلاء ان لم يكن منتجاً فعلى الأقل كبطل يستطيع أن يفرض كلمته على بعض المنتجين.. ونجح فى مساندة هذه المجموعة التى قدمت للسينما الروائع.
شكراً عادل
لا ينسى نور الشريف وقال كثيراً إن عادل إمام هو من رشحه للمخرج حسن الإمام لكى يقدمه بطلاً فى فيلم قصر الشوق ويفتح له بذلك الأبواب المغلقة.. لكى يصل بأعماله إلى رقم تجاوز الـ150 فيلماً بخلاف ما قدمه على المسرح وقد كان على حالة اهتمامه.. وشارك فيه منتجاً ومخرجاً مع على سالم فى سلسلة مسرحيات كوميدية إلى جانب ما قدمه على خشبة المسرح القومي.. وكانت له أعماله التى جمعت بين الجماهيرية والقيمة.. وكان له الفضل فى تقديم عدة مؤلفين وفنانين فى الدراما التليفزيونية «وليد سيف وعبدالرحيم كمال» وإذا سألته عن أفلام قدمها ولم تكن فى مستواه يكون جوابه: كل فنان له سعره فى السوق وعندما يغيب أكثر من اللازم يتم تجاهله.. ويصبح خارج الحسابات.. ولذلك أقبل أقل الأعمال سخفاً أو تهريجاً.. حتى استطيع بما أحصل عليه منها ان انتج ما أريد واحقق ذاتى مهما كانت خسائرى بعد ذلك ثمناً لاصرارى على أعمال أعرف مقدماً أنها مغامرة.
وبهذا الوعى جرى اختياره لكى يلعب دور «قطز» فى مسلسل روسى سنة 1988.. لكنه اختار دور «بيبرس» وسط دهشة مخرج العمل الذى اختاره من بين كل النجوم بعد أن شاهد عدداً من أفلامه ولما عرف قدراته وهو يتعامل معه أسند إليه دور «بيبرس» فى النسخة الروسية وأيضاً العربية.. وعاد يفكر فى انتاج عشرة أفلام على شرائط 16 مللى باسماء جديدة وبقصص قصيرة فى تجارب فنية خالصة وفى العراق كنت معه فى رحلة لحضور مهرجانها المسرحى وقد اخبرته عن كتاب مترجم بعنوان «فهم السينما» وكان قد سمع عنه.. بحث عن الكتاب طويلاً حتى وصل إلى نسخة تحتفظ بها زوجة المترجم وتنازلت عنها اكراماً لنور الذى اعتبر انه حصل على كنز.. وعاد يشهره فى وجهي.. وهذا هو من يتحمس لكل لمحة تضيف إلى خبراته المتعددة ولأنه لم يلحق بالزمن الذى يتحول فيه غالبية نجوم الصف الأول إلى مندوبى مبيعات فى الاعلانات.. ومن برنامج إلى آخر يستهلكون أنفسهم حتى وان فقدوا شوق الجمهور إليهم من الالحاح عليه طوال الوقت.
أنا متمرد
عندما أدرك فى بدايته ان المنتجين قد حاصروه فى أدوار الفتى الحليوة الطيب تمرد وانتج فيلم دائرة الانتقام لكى يغير جلده ونجح ورغم أعماله التليفزيونية الشهيرة إلا انه يقف طويلاً أمام مسلسل عمر بن عبدالعزيز.. وقد عاشه بكل جوارحه.. وتمنى لو كانت اخر كلماته فى الدنيا ما ردده خامس الخلفاء فى لحظات احتضاره قول الله تعالى فى كتابه الكريم: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً فى الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين» «سورة القصص».
هو الذى نزل كثيراً إلى مسرحيات تجريبية فى مراكز الشباب وقصور الثقافة.. ويحرص أن يرتدى أبسط الثياب ويركب سيارة متواضعة حتى يقرب المسافة بينه وبين الشباب وينزل عامداً معتمداً من أبراج النجومية العالية وفيها الكثير من الزيف والتصنع إلى أرض الفن البراح بالفهم والوعي.
ولم يمنعه الاعتراض على الكثير مما كان يدور فى عصر مبارك أن يجسد شخصية الرئيس فى مسلسل إذاعى وفى ذلك قال: كيف اتجاهل الرجل الذى قاد القوات الجوية وكان له دوره الكبير فى نصر أكتوبر ثم إن فترة حكمه الأولى كانت مبشرة وإيجابية.
وشطارة الممثل أن يلعب أدوار الشخصيات التى يرفضها أكثر من تلك التى يحبها وبهذا قالوا ان أدوار الشر تجذب نظر الجمهور أكثر من الأدوار الطيبة المسطحة.
وفى زمن نور الشريف الممثل يدرس ثم يقرأ ويقرأ.. ويتعلم حتى آخر أنفاسه.. وعليه أن يأخذ بيد غيره.. كما فعل معه من سبقوه.. وكان مكتبه فى شارع رمسيس القريب من مقر جريدة الجمهورية ملتقى لكل صاحب طموح فني.. ويجد الترحيب والمشورة والمساعدة.
وفى سفرية إلى مراكش لحضور مهرجانها.. كان يجمع جوازات السفر من الوفد بنفسه رغم وجود موظفى العلاقات العامة.. ويسأل كل عضو مصرى عن أكله وشربه واحتياجاته.. ويساعد إنسانياً بكل الرضا والسماحة.. فهل يتكرر زمن نور الشريف؟ قولوا يا رب!!