جاء تدخل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى مع قيادات المنظومة الإعلامية فى الدولة المصرية فى توقيت بالغ الدقة والحساسية وذلك على ضوء التحديات التى تشهدها الدولة المصرية حالياً والتى من بينها الإعلام الموجه ضدها والحملات والتهجمات والاستنذاف المستمر للسياسات المصرية.. علاوة على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعى التى تساهم فى إفساد أخلاقيات المجتمع المصرى والتى نجحت أجهزة الأمن المصرية من القبض على العديد من القائمين على تلك المواقع وتقديمهم للنيابة العامة التى اكتشفت بدورها أن وراء هذه المواقع جرائم أخرى مثل غسيل الأموال وتجارة الأعضاء البشرية والترويج للاتجار بالمخدرات.
ومن هنا فقد استشعر السيد الرئيس ضرورة التدخل فى ملف الإعلام والذى يعتبر ضمن أحد محاور الأمن القومى للبلاد وذلك على الرغم من تعدد مهام سيادته وانشغالاته بملفات عديدة داخلية وخارجية إلا إنه لا يغفل عن الملفات التى تتعلق بالوعى والتوعية والحفاظ على بنيان الدولة وشبابها من تدفقات المعلومات المغلوطة ومحاولات التضليل والتشويه ودفعهم نحو الاستغلال والابتذال بل والتأثير على القيم والأخلاقيات والمبادئ التى تربينا عليها والتى يشهد التاريخ لنا بها.
يعتبر الإعلام أحد الأسلحة المهمة لكل دولة فمن خلاله يمكن أن تبنى الشعوب وبه أيضاً ممكن أن تهدم.. ويمثل الإعلام الوطنى المرآة الصادقة التى تنعكس عليها ملامح وعيها الجمعى وأحد أهم أدوات قوتها الناعمة وجسراً حضارياً يربط بين الدولة ومواطنيها من جهة وبينها وبين العالم من جهة أخري.. وبالتالى فإن الإعلام لم يعد يكتفى بدوره التقليدى فى نقل الخبر أو صناعة الرأى العام بل إنه ارتقى ليصبح أحد المحاور التى ترتكز عليها الدول المتحضرة والتى تستند إلى منظومة راسخة من الخبرة والمهنية ويعمل على تحقيق معادلة متوازنة تجمع بين بناء الإنسان القادر على النهوض بوطنه وبناء البنيان المادى الذى يشكل قاعدة التنمية الشاملة.
أعطى لقاء السيد الرئيس مع قادة الإعلام فى مصر دفعة قوية من المفترض أن تجعلهم يبدأون فى وضع إستراتيجية إعلامية جيدة تهدف إلى أن تكون صوتاً واعياً لضمير الأمة ودرعاً واقى لوعى شعبها فى مواجهة محاولات التضليل والتشويه وأن تتشكل سياسات إعلامية متكاملة تحافظ على الهوية الوطنية وتتصدى للشائعات وحروب الجيل الرابع والخامس التى تستهدف استقرار البلاد من الداخل وأن تعمل على تقديم الصورة الحقيقية للدولة المصرية بما يعكس إنجازاتها وريادتها ويعيد تقديمها للعالم بوصفها دولة حضارة وتاريخ وأن تكون دائماً فاعلة وليست مفعولاً بها خاصة فى الوقت الذى تتكاثر فيه المنصات الإعلامية وتتسارع فيه تدفقات المعلومات وتتداخل فيه الحقائق بالشائعات وتتنافس فيه وسائل السيطرة على عقول الناس وقلوبهم.
جاءت توجيهات الرئيس أيضاً لتعطى الضوء الأخضر لحرية تداول المعلومات وتمكن الأفراد من الوصول إليها وهو ما سوف يترتب عليه التمكن من مواجهة التضليل الإعلامى لأن القدرة على إيجاد مصادر معلومات موثوقة والتدريب على استخدامها والتعامل معها بسرعة سوف يؤدى إلى إيجاد جيل متمكن من إنشاء محتوى جاد وصادق ومسئول وهو ما سوف يترتب عليه ثقة المواطن بوسائل إعلامية مختلفة وعودته مرة أخرى إلى المراجعة والرجوع إليها للتأكد من حدث معين أو معلومة محددة أو موقف سياسى أو اقتصادى للدولة.. وهذا يتطلب الاهتمام بالكوادر الإعلامية الشابة مع تدريبها بشكل جيد على مفاهيم الأمن القومى ولغة الحوار التى يتقبلها المواطن المصرى بعيداً عن التهويل أو التهوين أو الإسفاف مع ترسيخ مبدأ الرأى والرأى الآخر القائم على حرية التعبير ووضوح الرؤية للجميع.. ولاشك أن تركيز الرئيس على الكوادر الشابة المؤهلة يعكس إدراكاً عميقاً لأهمية ضخ دماء جديدة فى شرايين الإعلام قادرة على مواكبة أدوات العصر الرقمى وإنتاج محتوى يجمع بين الجودة والابتكار ويتفاعل مع الجمهور بلغة يفهمها ويثق بها.. وهذا التوجه يحمل أيضاً رسالة واضحة بأن المستقبل للإعلاميين الذين يجمعون بين الحس الوطنى والكفاءة المهنية ويستطيعون تقديم الدولة المصرية للعالم بصورة تنافسية تليق بتاريخها ومكانتها.
إن اهتمام السيد الرئيس ببناء الإنسان يمثل حجر الزاوية فى قوة الدولة حيث يشكل وعى المواطن الراسخ وطاقاته الخلاقة القاعدة البشرية الصلبة.. ومن هنا كانت رؤية سيادته الثاقبة فى تفعيل الإعلام الوطنى بحسبان أن ذلك سوف يكون له تأثير مباشر على عملية بناء الإنسان وصياغة وعيه الجمعى لأنه الوسيلة التى تزرع فى النفوس القيم الإيجابية وتغذى روح الانتماء وتدعم الإحساس بالمسئولية تجاه الوطن كما يغرس فى العقول روح المبادرة والعمل الجاد والإبداع الخلاق ومن خلال برامجه وخطابه يشجع على تبنى سلوكيات حضارية ويعزز ثقافة الحوار واحترام الاختلاف ويرفع سقف الطموحات الفردية والجماعية بحيث يسهم فى دعم خطط التنمية المستدامة ويبرز المشروعات القومية الكبرى بوصفها نماذج ملهمة لطاقات الشعب وقدرته على الإنجاز.
وإذا كانت هذه هى رؤية السيد الرئيس وتوجيهاته الرامية إلى تطوير المنظومة الإعلامية ودعمها الكامل من سيادته لتحقيق هذا الهدف المنشود فإن ذلك يستلزم بلا شك الأخذ بالجدية الحقيقية والصادقة لتحويل تلك الرؤية إلى واقع وهو ما يتطلب من وجهة نظرى عدة خطوات متوازية ومتكاملة وذلك من خلال الإعداد الجيد لفرق العمل الإعلامية عن طريق إعداد برامج تدريبية متقدمة تشمل الصحافة الرقمية والذكاء الاصطناعى وفنون الإخراج والتقديم والتدريب على التعامل مع الأزمات الإعلامية وعلى الثبات الانفعالى مع تعزيز البنية التكنولوجية لوسائل البث الإعلامى بحيث تكون قادرة على إنتاج وتوزيع المحتوى الإعلامى وفقاً لمعايير العالمية وذلك بما يتيح لها مناقشة القنوات الإقليمية والدولية.. كما أنه من الضرورى أن يتبنى الإعلام المصرى فكرة المشاركة مع مؤسسات إعلامية دولية مرموقة بهدف نقل صوت مصر وقضاياها للعالم بلغة يفهمها ويتفاعل معها.
لقد وضع الرئيس خارطة طريق لمشروع إعلامى جامع يقوم على شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع تتلاقى فيه الإرادة السياسية الواعية مع المشاركة المجتمعية الفاعلة فى صناعة الحاضر وبناء المستقبل وتحمل رسالة للإنسان المصرى تؤكد على ضرورة تمسكه بالوعى واليقظة والقيم الأصيلة وأن يثق أن الدولة المصرية تمتلك رؤية واضحة ومؤسسات قوية راسخة ومكانة إقليمية ودولية رفيعة وأن لديه إعلاماً صادقاً يساهم فى الحفاظ على الهوية الوطنية ويصوغ رؤية واضحة لمستقبل أكثر استقراراً وأعمق وعياً ويترسخ من خلاله الوعى الجمعى كخط الدفاع الأول عن الوطن وهويته.