لا ينكر كل ذى عينين ان الاقتصاد المصرى قد تجاوز المرحلة الأصعب من أزماته السابقة والناتجة عن كوكتيل من الأزمات العالمية، وهناك عدد من المؤشرات التى تدعم تحسن الوضع الاقتصادي، من أبرزها تراجع التضخم واستقرار سعر الصرف، وهو ما ساهم فى إعادة الثقة لدى المستثمرين، إلى جانب تحسن قيمة الجنيه أمام الدولار، وارتفاع الاحتياطى النقدى الأجنبى محققاً أعلى قيمة فى تاريخه، فضلاً عن تحقيق معدلات نمو إيجابية فى المشروعات القومية الكبري، خاصة فى قطاعات مثل الاتصالات والزراعة والتصنيع.
الحقيقة التى ألمسها ولا ينكرها القاصى والداني، أن جملة المشروعات التى تنفذ على أرض مصر فى السنوات الأخيرة وما يتلوها من مشروعات كفيلة بإقامة حضارة جديدة، والحضارات لا تأتى فجأة أو مصادفة، وإنما تأتى نتاج جهد وعمل جاد متطور تنظمه قواعد ونظم، وكذلك الامر بالنسبة للتدهور والانهيار فيسبقه تكاسل وإهمال وعدم احترام للقواعد.. ومن هنا تظهر فكرة الفساد بآثارها السلبية على مختلف مناحى الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية.
الطامة الكبري، أن الفساد مازال يطل برأسه وينخر كالسوس فى جسد بعض مؤسسات الجهاز الإدارى للدولة بحسب روايات بعض الأصدقاء الذين تضرروا من هذا الوباء، وبالتالى يعد الفساد العقبة الرئيسية التى تعوق الشعور بالرضا وما تم من إنجازات غير مسبوقة وكذلك حركة التنمية والبناء وجنى ثمار طفرة المشروعات العملاقة، وهذا الفساد متمثل فى الرشوة بكل أنواعها والمحسوبية و»الشللية« وإساءة استغلال الوظيفة وخلافه، ويساعد على ذلك افتقاد آلية الرقابة الفاعلة على بعض المسئولين والقيادات التى تفتقد الكفاءة والانتماء.
لا ينكر أحد أن الفساد ظاهرة اجتماعية واقتصادية فى كل دول العالم ويدفع ثمنها الوطن والمواطن، وبالتالى يجب الانتباه إليها واستئصالها لأنها فعلاً تهدد الاستقرار والتنمية، ويمكن أن تؤدى إلى توزيع غير عادل للثروة، حيث يتحكم الأفراد والشركات الفاسدة فى الموارد الاقتصادية، وكذلك تدهور الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والنقل وأيضا زيادة نسبة الفقر، حيث يمنع الأفراد الفقراء من الوصول إلى الموارد الاقتصادية والخدمات العامة، وكذلك تدهور البيئة، حيث يسمح للأفراد والشركات الفاسدة بالتخلص من النفايات بشكل غير قانوني، ومع عظيم احترامنا للدور الذى تقوم به الحكومة باقتدار فى محاربة الفساد، فى تصورى إننا مازلنا نحتاج المزيد من تعزيز الشفافية والمساءلة فى منع الفساد وتعزيز العقوبات عليه، بالإضافة إلى تعزيز دور المؤسسات التشريعية، خاصة البرلمان والمجتمع المدنى وإشراكهم فى تحمل مسئولياتهم للقضاء على هذا الوباء اللعين.
الحقيقة، أنه قد آن الأوان لمحاربة وباء الفساد والقضاء عليه، الذى يعادل فى أهميته الإرهاب الاسود بعدما استشرى فى بعض المؤسسات فى كل ربوع المحروسة.. ولكى نحقق الحلم الذى يراودنا فى اكتمال نهضة اقتصادية نرى من خلالها عدالة اجتماعية وتوفير فرص عمل طبقاً للكفاءة وحصول المواطن على دخل كاف بكرامة حفاظاً على إنسانيته وآدميته، وقيادات تنهض بالمكان الذى تديره وتشجع الكفاءات على العطاء وتقديم أفضل ما عندهم للارتقاء والتقدم ولا تقصيهم وتحاربهم، بل تقصى المنافقين و»كدابى الزفة«، وتؤهلهم وتقومهم ليصبحوا منتجين وفاعلين.
كلمة فاصلة:
ببساطة.. الجمهورية الجديدة استطاعت بفضل الله ثم القيادة الحكيمة سحق الإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء عليه، ولكن يبقى خطر أكبر وهو سرطان الفساد، وبعض اصدقائى أراهم فاقدى الأمل فى القضاء عليه، ولكننى دائما متفائل، وأردد أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى عن المفسدين، وأنه سيأتى اليوم الذى نتخلص فيه من الفساد والمفسدين، وأنا على ثقة تامة بأن الله قادر على كل شيء وثقتى بالله وبعدله وقدرته تجعلنى على يقين أن المستقبل سيكون شيئا آخر.. حفظ الله مصر وأهلها.
