كيف دعمت الاستخبارات الغربية الجماعة الإرهابية
استهدفوا الانتماء الوطنى لضمان تحقيق أهداف إسرائيل
على مدار نحو قرن، وظفت الولايات المتحدة وبريطانيا جماعة الإخوان، كـ «سلاح جيوسياسي» فعال فى معركتهما ضد عدوين رئيسيين: الانتماءات الوطنية والاشتراكية السوفيتية بما يخدم أهداف تأسيس الكيان الإسرائيلي، الأمر الذى تناوله روبرت دريفوس، الباحث الأمريكى الكبير فى كتابه «لعبة الشيطان».. روبرت قضى سنوات فى التنقيب داخل الأرشيفات وفك شفرات الوثائق التى رفعت عنها السرية، وأجرى مقابلات مع مصادر رفيعة المستوى من داخل الأجهزة الاستخباراتية العالمية ثم كشف عن حقيقة التعاون المنهجى بين جماعة الإخوان والقوى الغربية، بما فى ذلك الكيان الإسرائيلي..دريفوس قدم ردا موثقا على من يصور الإخوان كعدو للغرب وإسرائيل.. ثم يكشف حقيقة «اللعبة الشيطانية» التى أتقنتها لندن وواشنطن وتل أبيب فى صناعة كيان الإخوان الإرهابى عبر مسارات الدعم المالي، والتنسيق الاستخباراتي، والتغاضى السياسى المدروس الذى سمح لهذه الجماعة بالنمو والتمدد.. ووظفها لتحقيق مصالحه وأهدافه المستحيلة عليه على أسس الخيانة المتجذرة فى فكر الإخوان.
يذكر الكتاب أن جماعة الإخوان التى ساهمت فى تغيير الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، ما كان لها أن تصل لهذه الدرجة من التأثير والعمق والتغلغل والخطورة إلا بالتحالف الشيطانى مع الاستخبارات البريطانية، فلم يكن بوسع حسن البنا الذى تبنى أفكار جمال الدين الأفغانى وزاد عليها بفكره التدميري، أن يصل لهذا التأثير لولا مساندة لندن، والتى بدأت بمنحة من شركة قناة السويس البريطانية ثم توالت خلال الربع قرن التالى بدعم من الدبلوماسيين البريطانيين ورؤية مخابراتهم..يضيف روبرت دريفوس أنه ومن أجل بزوغ حركة الإخوان إلى الضوء والعلن، ساعدت بريطانيا حسن البنا من خلال قناة السويس على إنشاء مسجد فى الإسماعيلية يكون مقراً وقاعدة عمليات لها وفق ما قاله ريتشارد ميتشل فى كتابه «جماعة الإخوان المسلمين».. لكن المدهش أنه فى العام ذاته 1928 استيقظت «الإسماعيلية» لتستضيف مقر الاخوان وأنشطتها فى ظل وجود قاعدة عسكرية بريطانية رئيسية بنيت خلال الحرب العالمية الأولي.. وتحولت إلى مركز لتأييد الوجود البريطانى فى مصر وأصبحت تواجه دعوات المصريين المطالبة بالجلاء.
«استهداف القومية»
أنشأ الإخوان بعد ذلك التنظيم الخاص، وأكد المؤلف أن المخابرات البريطانية كانت تجمع المعلومات من المنشآت العسكرية والسفارات الأجنبية والمكاتب الحكومية وغيرها وتقدمها للتنظيم الذى كان يعمل لخدمة أهداف الملك والاحتلال ويقوم باغتيال القضاة وضباط الشرطة ومسئولين فى الحكومة ينادون بالاستقلال القومي.. إضافة إلى أن التنظيم كان يحرق مشاريع اليهود فى مصر ويشارك فى هجمات خاطفة على النقابات العمالية والشيوعيين بما يؤثر بالسلب على الدعوات الدولية لمصر المطالبة بالجلاء..ثم بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون فى مصر يحافظون على اتصالات دورية فى الأربعينات مع الإخوان برغم متابعتهم الاتجاه الاخوانى إلى العنف والتطرف.. كان النظام الملكى فى مصر يلفظ أنفاسه ولم يكن من الواضح من الذى سيحل مكانه..فاتجهت الاستخبارات الأمريكية إلى التعامل بشكل مباشر مع الإخوان وعدم انتظار التقارير البريطانية.
«رمضان فى البيت الأبيض»
يكشف الكتاب عن لقاء فى غاية الخطورة لم يتم الالتفات إليه فى أواخر صيف 1953 بين الرئيس دوايت ايزنهاور وسعيد رمضان القادم من الشرق الأوسط. وتوضح الصورة التى تسجل اللقاء الرئيس الأمريكى البالغ من العمر وقتها 63 عاما فى حلة رمادية منتصبا وكوعاه منحنيان ويضم قبضة يده كما لو كان يؤكد على شيء وإلى يساره يقف الشاب المصرى فى حلة داكنة اللون وهو يطلق لحيته المنمقة ويحمل بضع أوراق خلف ظهره. كان الشاب المصرى يبلغ من العمر 27 عاما وكان بجواره أعضاء وفد من الباحثين والشيوخ والناشطين من الهند وسوريا واليمن وشمال أفريقيا بعضهم يرتدى الملابس الغربية والآخر يرتدى ملابس عربية تقليدية.. كان الشاب المصرى الواقف بجوار ايزنهاور هو سعيد رمضان المسئول العسكرى والإيديولوجى فى تنظيم الإخوان.. وبعد عام واحد فقط من اللقاء بين ايزنهاور ورمضان تم حادث المنشية الذى كان يستهدف اغتيال الرئيس عبدالناصر.
كان الرئيس جمال عبدالناصر فى هذا التوقيت يدعو للاهتمام بمبادئ القومية الوطنية والقومية العربية التى تواجه كلها الاحتلال فى جميع صوره المادية والفكرية، فيكشف الكتاب أنه على أثر ذلك كان التخطيط لحادث المنشية، وقال ايد كين ضابط المخابرات الأمريكية C.I.A.. كانت المخابرات تقوم بعملية سرية جدا واستطيع القول بالاعتماد على عدد من أعضاء النظام القديم الذين ليس لديهم أى سلطة.. كنا نحاول العثور على عناصر يمكنها الإطاحة بناصر غالبا شخصيات من النظام القديم من الاقطاعيين ورجال الصناعة وأعداء آخرين لناصر واخترنا الاخوان.
يؤكد روبرت أن خطورة عبد الناصر بالنسبة لأمريكا أنه دعا للثورة العربية وتقرير المصير والاستقلال خلال الفترة التى كان فيها العالم العربى بكامله من المغرب إلى العراق يقبع فى غياهب الاستعمار، كانت المغرب والجزائر وتونس تحت الاحتلال والكويت وقطر والبحرين والإمارات وعمان واليمن مستعمرات بريطانية، وكانت مصر تحت الاستعمار البريطانى وكافح ناصر من أجل الجلاء.
«حادث المنشية»
توافق توقيت المواجهة بين الإخوان والرئيس عبدالناصر مع الاحباط البريطانى من مصر خلال المفاوضات بشأن تسليم قناة السويس والقواعد البريطانية وكان اليمين البريطاني، وعلى رأسه استعمارى لم تتغير أفكاره مثل ونستون تشرشل، متخوفا من صعود قوة مصر فى الوقت الذى كان السياسيون والنواب فى اليسار وحزب العمال يرغبون فى عقد صفقة مع ناصر.
ومن عام 1954 فصاعدا كان مطلب انتونى ايدن رئيس وزراء بريطانيا هو رأس جمال عبد الناصر، وفى الأشهر الأولى من العام ذاته بدأت الفوضى ودبت الحرب بين الإخوان والدولة فى شهر يناير عندما هاجموا الطلاب القوميين المؤيدين لناصر فى جامعة القاهرة. وكتب أنور السادات مقالة يكشف فيها تخفيهم وراء الدين. وبعد يومين أصدر ناصر مرسوما يعلن الإخوان جماعة إرهابية وفضح أيضا بأنهم مخلب للبريطانيين. وجاء فى المرسوم الذى يحظر الإخوان «الثورة لن تسمح بعودة الفساد متخفيا فى ثوب الدين».
وفيما كانت كل من بريطانيا وأمريكا تلعبان بالنار لتعبئة فرق الاغتيال من الإخوان ضد ناصر كان هناك أدلة أيضا على أن الإخوان يتعاونون مع جماعة إرهابية شيعية فى إيران تعرف باسم مريدى الإسلام وكان أحد مؤسسيها زعيما دينيا إيرانيا تعاون مع المخابرات الأمريكية لإقالة مصدق. . وقال برنارد لويس ضابط المخابرات البريطانية السابق والمستشرق المعروف إن قرار الإخوان بالجهاد ضد ناصر يرتبط فى جزء منه بعلاقاتهم مع الجماعة الإرهابية الإيرانية.. وقال لويس إن زعيم الجماعة الإسلامية الإيرانية زار القاهرة فى عام 1954 وكانت تلك الزيارة بداية انتفاضة الإخوان ضد ناصر..
وبعد فشل عملية المنشية ظل التعاون قائما بين أمريكا والأخوان ووفروا لهم الدعم الكامل خارج مصر لكل القيادات التى هربت قبل المحاكمة، وبعد ذلك بسنوات وفى بداية السبعينات وعودتهم إلى مصر أصبحت أمريكا تمدهم بكل ما يحتاجون إليه بما فى ذلك تسهيلات حصول الجهاز السرى على الأسلحة كما يكشف الكتاب.
«الإسلام الاقتصادى»
يوضح دريفوس أن الدعم الغربى للإسلاميين لم يقتصر على السلاح والسياسة، بل امتد ليشمل تشجيعًا ممنهجًا ومدروسًا لنموذج اقتصادى بديل، كان الهدف منه ليس فقط تحقيق أرباح، بل تفكيك النموذج الاشتراكى للدولة القومية العربية، وخلق «دولة موازية» تسيطر عليها جماعة الإخوان وتتغلغل من خلالها فى كل شريان من شرايين المجتمع.
يوضح الكتاب كيف أن بنوكًا وشركات غربية كبري، فى تحالف غريب وغير معلن، شجعت «باستماتة» صعود ما عُرف بالبنوك الإسلامية وشركات توظيف الأموال التابعة للأخوان، مدركة تمامًا أن هذه الأدوات المالية كانت المحرك الرئيسى الذى سمح للإخوان، وفقًا لتقديرات استخباراتية أمريكية، بتحقيق «توغل» عميق ومنظم داخل المجتمع المصري، وبناء قاعدة شعبية لم تكن لتحلم بها عبر العمل السياسى وحده.
تقدمت البنوك والمؤسسات المالية الغربية لتوفير الخبرة والتدريب وأحدث التقنيات المصرفية لتسهيل الانتشار السرطانى للبنوك الإسلامية ونفوذها.. وأقبلت المراكز المصرفية الكبرى على العملية كما يوضح الكتاب بعد تطمينات من المستشرقين والأكاديميين الذين أكدوا أن الأخوان سيقدمون الأسس الرأسمالية فى الإسلام بناء على مواقف وأقوال الرسول.
وشمل كبار المشاركين فى تلك العملية وقتها عددا من البنوك الكبرى فضلا عن صندوق النقد الدولي، إلى جانب متخصصين من الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا..
يوضح دريفوس أن تركيز الاستخبارات العالمية على توظيف «الإسلام الاقتصادي» جاء لأنه قدم نموذجًا يجمع بين نقيضين بشكل عبقري:
>جاذبية دينية وشعبية: قدم نفسه للجمهور المتدين كبديل «حلال» للنظام المصرفى «الربوي» للدولة، ووعد بالعدالة الاجتماعية المستمدة من الشريعة.. وهو ما يمثل مدخلا جيدا للدفع الجماهيرى ضد الحكومة فى مصر وقتما أرادوا ذلك.
«حرب أفغانستان»
المرحلة الأخطر من اللعب مع شيطان الأخوان هى الحرب فى فى أفغانستان «1979-1989»، فكما يوضح الكتاب تحول الدعم الأمريكى السرى والمحدود إلى عملية ضخمة شبه عسكرية، أدت إلى صناعة ما نعرفه اليوم بـ «الجهاد العالمي».. لم تستفد الجماعة ماليا فقط، بل إن هذه الحرب أعطت للإخوان بعداً دولياً غير مسبوق.
قررت الولايات المتحدة، عبر وكالة الاستخبارات المركزية «CIA»، أن تستخدم «الإسلاميين» كقوة مسلحة فى مواجهة الجيش الأحمر..وتم فتح باب «الجهاد الأفغاني» .
جماعة الإخوان كما يؤكد المؤلف لعبت الدور المحورى فى هذا المشروع، إذ ساهمت فى تجنيد الشباب وتقديم الغطاء الفكرى والدعوى لما سمى بـ «الجهاد لنصرة الإسلام». دريفوس يرى أن هذه المرحلة كانت نقطة الانطلاق الحقيقية لما سيعرف لاحقاً بـ «الأفغان العرب»، والذين تحولوا بعد انتهاء الحرب إلى نواة للتنظيمات الجهادية العابرة للحدود مثل القاعدة، وقد تم توظيفها فيما بعد لأغراض مختلفة منها ذروة الإرهاب فى الشرق الأوسط وخاصة مصر بالتنسيق مع الذراع الأخرى للإخوان «حماس».
يقدم دريفوس فى كتابه حقيقة مدعومة بشهادات من مسؤولين إسرائيليين سابقين، وهى أن إسرائيل نفسها لعبت نسخة مصغرة من «لعبة الشيطان».. أرادت تقويض منظمة التحرير الفلسطينية فقامت بخلق كيان حماس كأحد أذرع الأخوان التى أسستها أمريكا من قبل، يؤكد دريفوس أن السلطات الإسرائيلية فى السبعينيات والثمانينيات، تعمدت غض الطرف، وفى بعض الأحيان تشجيع، نمو الحركة الإسلامية المتطرفة أو الراديكالية فى غزة والضفة الغربية، والتى كانت تتمثل فى «المجمع الإسلامي» ، والذى ساهم فى تشكيل حركة حماس برؤية إسرائيلية بحتة.
وكان المنطق الإسرائيلى مشابهًا للمنطق الأمريكى بأن دعم الإخوان بشعاراتهم سيؤدى إلى إضعاف العدو الرئيسى فى ذلك الوقت، وهو منظمة التحرير الفلسطينية والتى لديها انتماءات وطنية بقيادة ياسر عرفات.
اعتقدوا أن الإسلاميين سيكونون منشغلين بالدعوة والعمل الاجتماعي، وسيخلقون انقسامًا داخل المجتمع الفلسطيني.. ثم سمح الدعم الكبير ببناء شبكة واسعة من المساجد والجمعيات الخيرية والمدارس، والتى شكلت لاحقًا البنية التحتية لحركة حماس.. وأدت فى النهاية هذه الآلية إلى خلق خصم إيديولوجى أكثر تشددًا وصلابة، يرفض الاعتراف بإسرائيل من حيث المبدأ. لقد نجحت إسرائيل فى إضعاف منظمة التحرير، لكنها وجدت نفسها فى مواجهة حركة مسلحة أكثر شراسة، وهو ما يمثل مثالاً صارخًا على كيف يمكن لـ «لعبة الشيطان» أن تنقلب على اللاعبين أنفسهم.
يستشهد الكتاب بما قالته مارتا كيسلر المحللة فى المخابرات الأمريكية عن تأسيس حركة حماس «الإسرائيليون سبب ازدهار الإخوان فكانوا يسمحون لهم بأن يفعلوا ما شاءوا من أجل ضرب حركة فتح وكانوا يدللون الشخصيات الدينية «، وبحسب الكتاب أيضا قال ديفيد لونج الخبير السابق فى شئون الشرق الأوسط فى الخارجية الأمريكية عن إنشاء فرع للإخوان بهذا القرب من إسرائيل «كنت أرى أنهم يلعبون بالنار.
دعم إسرائيل المباشر للإخوان لم يقتصر فقط على تأسيس وإطلاق وتمويل حركة حماس بل امتد ليظهر فى دعم عناصر الجماعة فى كل من سوريا ولبنان لتسهيل الحرب الأهلية وإشعال الجبهات الداخلية خاصة فى التوقيت الذى كانت مصر تفاوض فيه عقب حرب أكتوبر، ووصل الأمر إلى حد تدريب فرق مسلحة من الإخوان كما يؤكد روبرت دريفوس.
«رسالة تحذيرية»
يتجاوز كتاب «لعبة الشيطان» مجرد العرض الاستقصائى إلى الرؤية الاستشرافية فيصبح بمثابة تحذير صارخ وموجه، ليس فقط للولايات المتحدة، بل لكل قوة إقليمية أو عالمية قد تغريها فكرة استخدام الإسلام السياسى كأداة تكتيكية.. الرسالة النهائية التى يتركها دريفوس بين يدى القارئ هى أن التحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية وما خرج من عباءتها أو حتى تبنى أفكارها ليس فقط لعبة سياسية محفوفة بالمخاطر، بل هو «لعبٌ مع الشيطان»..
ما يؤكده الكتاب أن وجود أى تحالف مع الإخوان مهما كان شكله أو إطاره هو عقد مؤقت ومصلحى من طرف واحد فقط.. فالجماعة، بمنهجها البراجماتى المطلق الذى لا يعترف بإنتماء لدين أو وطن هو كذلك لا ولاء له إلا لهدف «التمكين»، أى أن الجماعة لا ترى فى حلفائها سوى «سلالم مرحلية» يتم استخدامها ثم التخلص منها.
يثبت الكتاب بالأدلة التاريخية قبل 20 عاما أن هذا التحالف محكوم عليه بالنهاية الكارثية، فالسلاح الذى تقدمه، والغطاء السياسى الذى توفره، والشرعية التى تمنحها لهذه الجماعات، سترتد حتمًا ضدك فى اللحظة التى تتعارض فيها مصالحك مع مشروعهم الإيديولوجي.
الأخطر من ذلك، كما يوضح روبرت دريفوس أن الارتداد لا يكون خارجيًا فحسب، بل يمكن أن يؤدى إلى نتائج كارثية داخل حدود الدول الداعمة نفسها، عبر تغذية خلايا التطرف الكامنة لدى اليمين الداخلي، وخلق انقسامات مجتمعية حادة، وزرع ألغام أمنية قد تنفجر بعد سنوات فى البناء الاجتماعي، لتجد هذه الدول أنها، فى سعيها لإضعاف خصومها، قد أضعفت أسس استقرارها وأمنها القومى من الداخل.
«ما بعد الكتاب»
ومع ذلك كله فإن الأحداث الجسيمة التى وقعت بعد صدور الكتاب، قد تكشف عن وجه آخر أكثر قتامة وعمقًا لهذه «اللعبة»، وجه يتجاوز نظرية «العواقب غير المقصودة» ليصل إلى فرضية «النتائج المخطط لها». فإذا كان دريفوس قد أظهر كيف استخدمت الولايات المتحدة الإخوان كحلفاء، فإن هذا التحليل الجديد يطرح أن الدور قد تطور ليصبح دور «عرائس الماريونت»، حيث لا تُستخدم هذه التنظيمات كحلفاء مستقلين، بل كأدوات يتم تحريكها عن بعد من قبل الأجهزة الاستخباراتية العالمية لتحقيق أهداف محددة وخلق ذرائع لازمة.
وفقًا لهذه القراءة وبحسب ما أورد الكتاب، لم تكن الولايات المتحدة قادرة بأى حال على ضرب الفكر الداخلى للدين الإسلامى وخلق فقاعة «الإسلاموفوبيا» العالمية إلا بحدث جلل؛ فكان تمويل وتسهيل أحداث 11 سبتمبر هو الضربة المتقنة التى قدمت المبرر الأخلاقى والسياسى لشن حروب فى الشرق الأوسط وإعادة رسم خريطته.. وقدم الكاتب أدلة على هذا أهمها عدم اتخاذ أى قرارات مباشرة تجاه جماعة الإخوان رغم تسليم الـ CIA فى وثائقه أن تنظيم القاعدة هو من رحم الإخوان وعلى دستور سيد قطب، لكن الأخوان كان كارت مرادا توظيفه فى أمور أخرى لذلك استمر التعاون والتنسيق الكامل معهم.
وبنفس المنطق، عندما أرادت إسرائيل توجيه ضربة قاصمة لقطاع غزة وتغيير واقعه الديموغرافي، وقعت أحداث السابع من أكتوبر، التى قدمت، بغض النظر عن تفاصيلها، الغطاء السياسى والشعبى اللازم لشن عملية عسكرية غير مسبوقة فى حجمها وأهدافها.. وليس أدل على هذا مما ذكره دريفوس عن ياسر عرفات نفسه فمع بداية الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 اتهمت منظمة التحرير الفلسطينية، حماس وأحمد ياسين بأنهم يعملون بالتعاون مع الأنظمة الرجعية والاحتلال الإسرائيلي. وقال عرفات لصحيفة إيطالية: «حماس» خلقتها إسرائيل وأعطتها فى ظل رئيس الوزراء شامير أموالا وأكثر من 700 مؤسسة منها مدارس وجامعات ومساجد وقال عرفات للصحيفة إن رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق إسحق رابين اعترف له بتأييد البلاد لحماس.
وبالتالى فى هذا المستوى الأعمق من «لعبة الشيطان»، لا يعود الإخوان وأمثالهم لاعبين لهم أجندتهم الخاصة التى تنقلب على داعميهم، بل مجرد أدوات وظيفية يتم التضحية بها لخلق «لحظة الصدمة» التى تسمح للقوى الكبرى بتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية الكبرى على الأرض.. وعلى هذا الأساس تصبح أحداثا غاية فى الغرابة مثل «تظاهر الاخوان ضد مصر من داخل إسرائيل» هو أمر مبرر لأنهم فقط أدوات لدى كيان الاحتلال والاستخبارات العالمية وماخفى أعظم.