تُعد العلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا فريدًا للشراكة الإقليمية متعددة الأبعاد، التي تتجاوز مجرد التعاون الثنائي لتشكل ركيزة أساسية للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هذه العلاقات، التي تتسم بعمق تاريخي وتداخل سياسي واقتصادي واستراتيجي، تعكس مصالح مشتركة وتحديات متنامية تتطلب تنسيقًا مستمرًا ورؤى موحدة. إن فهم طبيعة هذه العلاقات الثلاثية يتطلب استعراضًا لجذورها التاريخية، وتحليلًا لأبعادها السياسية والاقتصادية، وتقييمًا لدورها الإستراتيجي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
تضرب العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات بجذورها في عمق التاريخ، وتجمعها روابط حضارية وثقافية ودينية متينة. فالعلاقات المصرية السعودية، على سبيل المثال، تعود إلى عشرينيات القرن الماضي مع توقيع معاهدة الصداقة عام 1926، التي أرست أسس التعاون السياسي والاقتصادي. وقد تعززت هذه الروابط بفضل المكانة الدينية لكلتا الدولتين، حيث تمثل السعودية مهد الحرمين الشريفين، بينما تحتضن مصر الأزهر الشريف، أحد أقدم وأعرق مراكز العالم الإسلامي. شهدت الأربعينيات ذروة التقارب بين مصر والسعودية، توجت بلقاء الملك عبد العزيز والملك فاروق عام 1945، الذي أسس لتضامن عربي أوسع، وساهم في تأسيس جامعة الدول العربية في العام نفسه. ورغم التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة، مثل ثورة يوليو 1952 في مصر، ظلت هناك نقاط التقاء وتعاون، وإن شابها بعض التوترات الأيديولوجية في فترات معينة. أما العلاقات المصرية الإماراتية، فتتميز أيضًا بعمق تاريخي وتكامل ثقافي واقتصادي، حيث أسهمت الروابط الأخوية بين قيادتي وشعبي البلدين في بناء شراكة استراتيجية متصاعدة على مر العقود.
من جهة أخرى، تتسم العلاقات السياسية بين الدول الثلاث بالتقارب والتنسيق المستمر في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. فمصر والسعودية والإمارات تشترك في رؤى متقاربة تجاه التحديات الأمنية، مثل مكافحة الإرهاب والتطرف، والتصدي للتدخلات الخارجية في الشؤون العربية. وقد تجلى هذا التنسيق في دعم المملكة العربية السعودية لمطالب مصر الوطنية في فترات تاريخية مختلفة، ووقوفها إلى جانبها في المحافل الدولية، ولن ننسى الموقف الشريف للسعودية والإمارات من ثورة 30 يونيو2013 كما أن هناك تنسيقًا مستمرًا في خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين. وفيما يتعلق بالبعد الاستراتيجي، فإن هذه الدول تمثل ثقلاً إقليميًا هامًا، وتسعى إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة من خلال التعاون في مجالات الدفاع والأمن وتبادل المعلومات. وقد أظهرت هذه الشراكة قدرتها على مواجهة الأزمات الإقليمية، وتوحيد الجهود لمواجهة التهديدات المشتركة، مما يعكس فهمًا عميقًا للمصالح الاستراتيجية المتبادلة وضرورة العمل الجماعي للحفاظ على الأمن الإقليمي.
ومن جهة ثالثة، تعتبر الأبعاد الاقتصادية من أهم ركائز العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات، حيث تشهد هذه العلاقات نموًا مطردًا في حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة. فالعلاقات الاقتصادية المصرية السعودية قوية، وتتجلى في وجود آلاف الشركات السعودية العاملة في مصر، والعديد من الشركات المصرية في السعودية، مما يعكس بيئة استثمارية جاذبة وثقة متبادلة. وقد أسفرت زيارات القادة عن توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تغطي قطاعات واسعة مثل الإسكان، البترول، التعليم، الزراعة، والصحة، بالإضافة إلى مشروعات تنموية كبرى. أما العلاقات الاقتصادية المصرية الإماراتية، فهي أيضًا في تطور مستمر، حيث مثلت الاستثمارات الإماراتية في مصر ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد المصري، وشهدت المشروعات العملاقة المشتركة دفعًا كبيرًا للنمو في كلا البلدين. إن هذه الشراكة الاقتصادية لا تقتصر على الاستثمارات المباشرة، بل تمتد لتشمل التعاون في مجالات التنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو والازدهار المشترك.
على الرغم من قوة ومتانة العلاقات المصرية السعودية الإماراتية، إلا أنها لا تخلو من التحديات تشمل هذه التحديات التقلبات الجيوسياسية في المنطقة، وتأثير الأزمات الاقتصادية العالمية، وضرورة التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية المشتركة والرغبة في تعزيز التعاون تدفع هذه الدول نحو تجاوز هذه التحديات. يكمن مستقبل هذه العلاقات في تعميق الشراكة الاستراتيجية، وتوسيع نطاق التعاون ليشمل قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والابتكار والطاقة المتجددة، وتعزيز التنسيق في المحافل الدولية للدفاع عن المصالح العربية المشتركة. إن استمرار هذه الشراكة الثلاثية الفاعلة يمثل ضرورة حتمية للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحقيق التنمية المستدامة لشعوبها، ومواجهة التحديات المعقدة التي يفرضها المشهد الإقليمي والدولي المتغير.
لذا، نجد أن الدول الثلاثة قد ارتبطت تاريخيًا بمعادلات التوازن، ومشروعات الوحدة، ومصائر الأمن القومي المشترك. ورغم ما تتعرض له هذه العلاقات من حملات تشويه عبر منصات التواصل الاجتماعي، تسعى إلى تصويرها كعلاقات هشة أو متصدعة، فإن الواقع السياسي والتاريخي يكشف عن وشائج عميقة، تتجسد في الروابط التاريخية والثقافية والاستراتيجية التي أثبتت مرارًا قدرتها على الصمود أمام محاولات التفكيك والتشويه.
وتكمن إشكالية الكثيرين في القدرة الواعية على رصد التناقض بين السرديات الرقمية الزائفة التي تروجها منصات التواصل الاجتماعي، وبين حقيقة الصلابة البنيوية للعلاقات المصرية-العربية. ومن هنا، نحاول تفكيك هذه الجدلية عبر تحليل الأبعاد النظرية والواقعية، بما يوضح ثنائية “الثابت والمتحول” في هذه العلاقات.
حيث شهدت العلاقات المصرية مع الدول العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، زخمًا كبيرًا في الأسبوعين الماضيين بما يعكس عمق الروابط التاريخية والاستراتيجية التي تجمع هذه الدول في الآونة الأخيرة. وقد تجلى هذا الزخم من خلال الزيارات المتبادلة بين السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وكل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. هذه الزيارات، التي شملت لقاءات في الرياض وأبوظبي واستقبالًا في مدينة العلمين المصرية، ليست مجرد فعاليات دبلوماسية روتينية، بل تعكس رؤية مشتركة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات المشتركة. ومع ذلك، تتعرض هذه العلاقات لمحاولات التشويش عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أداة لنشر الشائعات والافتراءات التي تهدف إلى زعزعة الثقة بين الدول والشعوب العربية. في هذا المقال التحليلي، سنستعرض أبعاد العلاقات المصرية العربية، مع التركيز على العلاقات مع السعودية والإمارات، ونناقش التحديات التي تفرضها منصات التواصل الاجتماعي، وكيفية تعزيز الوشائج المتينة التي تجمع هذه الدول.
لعل اختيار الثابت والمتحول كإطار تحليلي سيساعد كثيرًا على تفسير التفاعلات بين ما هو راسخ في العلاقات (كالروابط التاريخية والسياسية)، وما هو متغير (مثل السرديات الرقمية أو الأزمات المرحلية). منطلقًا في ذلك من إدراك أن الأفكار والخطابات الواردة في لقاءات الزعماء مؤخرًا تشكل إدراكاتهم لأدوار دولهم كفاعلين إقليميين رئيسيين وشركاء دوليين لا غنى عنهم، وهو الأمر الذي لم تعكسه إدراكات القليلين على منصات الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، في محاولات مشبوهة لتشكيل تصورات مشوهة عن هذه العلاقات، ومن ثم خلق وعي زائف عن طبيعتها التحالفية. لعل ذلك ما أكدته نظرية روبرت كيوهان وجوزيف ناي، التي تبرز تداخل المصالح الاقتصادية والأمنية بين الدول الثلاثة، وتوضح استحالة تفكيك هذه العلاقات رغم حملات التشويه.
فالجذور في علاقة الدول الثلاثة تدل على صلابتها المنطلقة من العديد من الروابط، نوجزها فيما يلي؛ التاريخ المشترك، فالعلاقات بين الدول الثلاثة تضرب بجذورها في قيادة المواقف العربية المشتركة من القضايا المصيرية التي واجهت الدول العربية. البعد المؤسسي، نشأت الجامعة العربية في القاهرة عام 1945 بدعم مصري واضح، لتصبح مظلة للتنسيق العربي. كما كانت مصر شريكًا محوريًا في جميع القمم العربية ومنظومة العمل العربي المشترك، وتشترك الدول الثلاثة في دعم أنشطة الجامعة والبحث الجدي عن آليات تطويرها لتحقيق طموحات الشعوب العربية. البعد الثقافي والاجتماعي، هنا نجد أن السينما المصرية، والأزهر الشريف، والدراما، والموسيقى، واللغة، شكلت جسورًا ممتدة عززت الهوية العربية المشتركة. هذه القوة الناعمة جعلت لمصر دورًا لا ينافسها فيه أحد، وتعد رافدًا لبناء جسور الثقة والتعاون الفني والإعلامي والرياضي بين الدول الثلاثة.. البعد الأمني والاستراتيجي، وهنا نجد أن الأمن القومي العربي ظل مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي المصري، والعكس صحيح، وهو ما ظهر في الحروب العربية-الإسرائيلية، وفي التنسيق العسكري المصري-الخليجي.
إلا أن العقد الأخير شهد تصاعدًا في دور مواقع الإعلام الحديث ووسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها ساحة رئيسية لصناعة الرأي العام. وقد استغلت جماعات ضغط وقوى إقليمية هذه المنصات لترويج سرديات زائفة حول العلاقات المصرية-العربية، منها:
– تصوير الاختلاف في وجهات النظر التكتيكية بين مصر وبعض الدول العربية على أنها قطيعة استراتيجية.
– استخدام حملات منظمة (هاشتاجات، حسابات وهمية) لإشاعة صورة انقسام مصطنع.
وقد ارتكز ذلك على آليات التضليل الرقمي، ومنها؛ الاستقطاب العاطفي: استخدام خطاب شعبوي لإثارة الغضب، والتزييف البصري: عبر فيديوهات وصور خارج سياقها، والهجمات السيبرانية الإعلامية: تمويل حملات موجهة تستهدف صورة مصر في العالم العربي. مستهدفة العلاقات بين الدول الثلاثة عقب قرارات أو مواقف سياسية محددة، كذلك محاولات التشويه الممنهج للدور المصري في القضية الفلسطينية.
من هنا نجد أنه على الرغم من هذه الحملات، إلا أن الوقائع تثبت أن المتحول الرقمي لم يتمكن من زعزعة الثابت البنيوي. وذلك بفضل العوامل التالية؛ صمود الروابط الرسمية، حيث استمر التنسيق الدبلوماسي الثلاثي في المحافل الدولية، كما تزايدت الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية. الروابط الشعبية، حيث نجد أن هناك ملايين من العمالة المصرية في الدولتين تمثل جسرًا بشريًا واقتصاديًا يصعب تجاوزه، كذلك الحال فيما يتعلق بالروابط الثقافية والفنية والرياضية التي لم تتأثر بكل هذا الشحن الإعلامي المصنع. العلاقات بين الزعماء الثلاثة، حيث تدل مشاهد الفيديو وصور اللقاءات بين الزعماء الثلاثة على علاقات ودية وأخوية تمثل بالقطع نفيًا لكل من حاول تشويه العلاقات بينهم، ومن ثم التأثير على علاقات الدول الثلاثة ببعضها. لذا، فبينما تصوّر المنصات انقسامًا دائمًا، يكشف الواقع عن تعاون متجدد في ملفات الأمن القومي وفي القلب منه القضية الفلسطينية وأزمة الدولة الوطنية العربية نتيجة تداعيات أحداث 2011، والإرهاب العابر للحدود، والتنسيق الاقتصادي.
العلاقات المصرية السعودية: ركيزة الاستقرار الإقليمي
تُعد العلاقات المصرية السعودية نموذجًا للشراكة الاستراتيجية التي تقوم على أسس تاريخية وثقافية ودينية مشتركة. وتمثل هذه العلاقات الرقم الصحيح الذي لا يمكن قسمته على اثنين”، فهي في هذا السياق ركيزة أساسية للأمن القومي العربي. هذا الوصف يعكس العمق الاستراتيجي لهذه العلاقات، التي تجاوزت التحديات السياسية والإقليمية على مر العقود.
دلالات ونتائج الزيارات المتبادلة
زيارة الرئيس السيسى الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية والتقاؤه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل كانت تجسيدًا للتنسيق المستمر بين البلدين حول قضايا إقليمية حساسة، مثل القضية الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة. شهدت هذه الزيارة توقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات متنوعة، مما يعكس التكامل الاقتصادي والسياسي بين البلدين. وتأتي هذه الزيارة في سياق تعاون مستمر، حيث سبق أن استقبل الأمير محمد بن سلمان الرئيس السيسى في نيوم عام 2022، في زيارة أثارت تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي بسبب الدلالات الرمزية للقاء.
من أبرز مظاهر هذا التعاون المشروعات التنموية المشتركة، مثل مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، الذي يهدف إلى تعزيز أمن الطاقة، ومشاركة مصر في مشروع نيوم الطموح الذي أطلقه ولي العهد السعودي. هذه المشروعات لا تعكس فقط التعاون الاقتصادي، بل تؤكد أيضًا على وحدة المصير المشترك بين البلدين.
التجارة والاقتصاد
لعل أرقام وحجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي تدلل على ذلك بقوة، حيث تدل الأرقام المقدرة لعام 2025 مقارنة بالسنوات السابقة:
> حجم التبادل التجاري: وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية حوالي 11.5 مليار دولار في 2024، بزيادة %127 عن 10.2 مليار دولار في 2022. في النصف الأول من 2025، تشير تقديرات غير رسمية من AGBI إلى نمو بنسبة %8، ليصل إلى حوالي 12.4 مليار دولار، مدفوعًا بزيادة الصادرات المصرية من المنتجات الزراعية والصناعية.
> الاستثمارات: بلغت الاستثمارات السعودية في مصر حوالي 32 مليار دولار حتى 2024، مع تركيز على العقارات والطاقة. في 2025، أعلنت السعودية عن استثمارات جديدة بقيمة 5 مليارات دولار في مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وفقًا لتقاريرZawya.
> مشروع الربط الكهربائي: بتكلفة 1.8 مليار دولار، يهدف المشروع إلى تبادل 3000 ميجاوات من الكهرباء، ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل التجريبي في أوائل 2026، مما يعزز أمن الطاقة في البلدين.
يعكس النمو في التبادل التجاري حجم التكامل الاقتصادي بين البلدين، حيث تدعم السعودية رؤية مصر 2030 من خلال استثمارات في الطاقة والعقارات، بينما تساهم مصر في رؤية السعودية 2030 عبر مشاركتها في مشروعات مثل نيوم.
التعاون الثقافى والدينى
> قدمت السعودية منحًا بقيمة 100 مليون دولار من 2017 إلى 2023 لدعم برامج جامعة الأزهر لمكافحة التطرف. في 2025، تم تخصيص 20 مليون دولار إضافية لتطوير مناهج تعليمية مشتركة تركز على الاعتدال.
> شهدت الفعاليات الثقافية مثل مهرجان الجنادرية مشاركة مصرية بقيمة استثمارية 5 ملايين دولار في 2024، مع زيادة إلى 7 ملايين دولار في 2025.
يعزز هذا التعاون من الروابط الثقافية ويدعم الخطاب الديني المعتدل، لكنه يواجه تحديات من حملات التشويه على منصات التواصل التي تحاول تصوير هذه الجهود على أنها تدخل في الشؤون الداخلية.
تحديات منصات التواصل الاجتماعى
على الرغم من قوة العلاقات كما أوضحنا، فإنها لم تسلم من محاولات التشويش عبر منصات التواصل الاجتماعي. في يناير 2025، رد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، على محاولات الوقيعة بين مصر والسعودية والإمارات، مؤكدًا أن العلاقات بين الدول الثلاث “في أفضل حالاتها”. وأشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية، إلى وجود حسابات وهمية على منصة “إكس” تُدار من الخارج بهدف زرع الفتنة بين الدول الثلاث. هذه الحسابات تستغل سرعة انتشار المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات وتكريس الكراهية، وهو ما حذر منه الرئيس السيسي نفسه عام 2023، داعيًا إلى عدم الانسياق وراء الفتن وتأكيده على أن العلاقات مع السعودية وغيرها من الدول العربية طيبة.
منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أداة فعالة للتعبير عن الرأي والتأثير في الرأي العام، تحولت في بعض الأحيان إلى سلاح ذي حدين. ففي حين ساهمت في تعزيز التفاعل الشعبي مع الأحداث السياسية، كما حدث في القضية الفلسطينية بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، إلا أنها أصبحت أيضًا منصة لنشر الشائعات الهدامة والمعلومات المغلوطة، خاصة عبر الحسابات الوهمية التي تستخدمها جهات خارجية لتحقيق أجندات سياسية. هذه الظاهرة تهدد الوشائج المتينة التي تجمع الشعوب العربية، حيث تسعى إلى خلق انقسامات وهمية بين الدول والشعوب.
> وفقًا للعديد من التقارير من جهات الرصد في يناير 2025، فإن %70 من الحسابات التي تنشر شائعات ضد العلاقات المصرية السعودية تُدار من خارج المنطقة، مع استهداف %60 منها للمشروعات الاقتصادية المشتركة.
> في النصف الأول من 2025، تم رصد 1.2 مليون تغريدة على منصة “إكس” تحتوي على محتوى مضلل حول العلاقات الثنائية، وفقًا لتحليل صادر عن مركز دراسات الإعلام العربي.. تهدف هذه الحملات إلى زعزعة الثقة بين الشعوب، لكن الرد السريع من المسئولين كما أشرنا يساعد في احتواء الأزمات.
العلاقات المصرية الإماراتية: شراكة تنموية وأمنية
تُعد العلاقات المصرية الإماراتية نموذجًا آخر للشراكة الاستراتيجية التي تجمع مصر بدول الخليج. زيارة الرئيس السيسى إلى أبوظبي في يونيو 2025، والتي تلاها استقبال الشيخ محمد بن زايد في العلمين قبل أيام قليلة، تؤكد على استمرارية التنسيق بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. هذه الزيارات ليست مجرد لقاءات بروتوكولية، بل تعكس رؤية مشتركة تهدف إلى تعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة.
أوجه التعاون: من الاقتصاد إلى الأمن
على الصعيد الاقتصادي، قدمت الإمارات دعمًا كبيرًا لمصر خلال العقد الماضي، حيث بلغت المساعدات الإماراتية أكثر من 51 مليار درهم خلال عامين فقط (2013-2015)، وفقًا لتصريحات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي عام 2015. هذا الدعم شمل مشاريع تنموية في مجالات التعليم، الإسكان، النقل، والطاقة، مما ساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في مصر.
حيث تدلل أرقام التبادل التجاري المتوقعة في عام 2025 مقارنة بالأعوام السابقة على ما يلي:
> حجم التبادل التجاري: بلغ بين مصر والإمارات 5.2مليار دولار في 2021، ارتفع إلى 6.8 مليار دولار في 2024، وفي النصف الأول من 2025، وصل إلى حوالي 3.7 مليار دولار، بزيادة 9٪ عن الفترة نفسها من 2024.
> استثمارات الإمارات في مصر: بلغت حوالي 50 مليار دولار حتى 2024، مع صفقة رأس الحكمة (35 مليار دولار) كأبرز استثمار في 2024. في 2025، أعلن صندوق أبوظبي للتنمية عن استثمارات إضافية بقيمة 10 مليارات دولار في قطاعات الطاقة والسياحة.
> السياحة: سجلت مصر إيرادات سياحية بقيمة 6.6 مليار دولار في النصف الأول من 2024، مع مساهمة إماراتية بنسبة %15 من خلال زيارات السياح الإماراتيين.
كانت صفقة رأس الحكمة نقطة تحول اقتصادي هام لمصر، حيث ساهمت في استقرار سعر الصرف وجذب تمويلات إضافية من صندوق النقد الدولي. ومع ذلك، يتطلب استمرار هذا النمو تسريع برامج الخصخصة وتحسين بيئة الأعمال واستمرار الإصلاح الاقتصادي والهيكلة الإدارية.
التعاون الثقافى والتكنولوجى
هنا نجد أن التعاون بين البلدين قد امتد إلى القطاع الديني والثقافي والتعليمي، حيث دعمت الإمارات مشاريع خاصة بجامعة الأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مما يعكس التزامهما برفض التطرف وتعزيز قيم الاعتدال. وهو ما توضحه الأرقام التالية:
> قدمت الإمارات دعمًا بقيمة 51 مليار درهم (13.8 مليار دولار) من 2013 إلى 2023 لمشاريع تعليمية وثقافية في مصر. في 2025، تم تخصيص 200 مليون دولار لتطوير منصات تعليمية رقمية مشتركة.
> في مجال التكنولوجيا، وقّعت مصر والإمارات اتفاقية في يوليو 2025 لإنشاء مركز بيانات بقيمة 500 مليون دولار، يهدف إلى دعم التحول الرقمي.
هذه المبادرات تعزز التعاون في مجالات التعليم والتكنولوجيا، مما يدعم التنمية المستدامة، لكنها تواجه تحديات من حملات التشويه على منصات التواصل الاجتماعي التي تستهدف تصوير الدعم الإماراتي على أنه تدخل سياسي.
تحديات منصات التواصل الاجتماعى
مثلما حدث مع العلاقات المصرية السعودية، تواجه العلاقات المصرية الإماراتية محاولات تشويش عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذه الحملات، التي غالبًا ما تُدار من حسابات وهمية، تهدف إلى إثارة الفتنة وتقويض الثقة بين الشعوب العربية.
على صعيد آخر، أسهمت منصات التواصل الاجتماعي في إبراز التعاون بين مصر والإمارات، حيث تداول النشطاء صورًا ومقاطع فيديو للقاءات بين الرئيس السيسى والشيخ محمد بن زايد، مما عزز من الصورة الإيجابية لهذه العلاقات. ومع ذلك، تظل هذه المنصات عرضة لسوء الاستخدام، حيث يمكن أن تتحول إلى أداة لنشر الأخبار المغلوطة والتحريض ضد الدول العربية، كما حدث في التصيد واقتطاع التصريحات لبعض كبار المستثمرين الإماراتيين عبر منصات التواصل الاجتماعي. الأمر الذي تعكسه الأرقام التالية:
> تم رصد 800 ألف منشور على منصات التواصل في 2025 يحتوي على شائعات حول العلاقات المصرية الإماراتية، مع تركيز %50 منها على صفقة رأس الحكمة.
> أطلقت الإمارات حملة إعلامية بقيمة 10 ملايين دولار لمواجهة الشائعات، بالتعاون مع مصر.
الوشائج المتينة: أسس العلاقات العربية
الوشائج التي تجمع مصر بالسعودية والإمارات ليست مجرد علاقات سياسية أو اقتصادية، بل هي روابط تاريخية وثقافية متجذرة في الوجدان العربي. هذه الوشائج تستند إلى عدة أسس:
-1 الوحدة العقائدية والثقافية: تشترك الدول الثلاث في رؤية مشتركة تقوم على رفض الطائفية والتطرف، والعمل على تعزيز قيم الاعتدال والتسامح.
-2 المصير المشترك: كما أشار الرئيس السيسى، فإن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر. هذه الرؤية تعكس الإيمان بوحدة المصير بين الدول العربية، مما يدفعها إلى التنسيق في مواجهة التحديات الإقليمية، مثل التدخلات الإيرانية أو الأزمات في البحر الأحمر وقطاع غزة.
3 – التعاون الاقتصادي: يُعد التعاون الاقتصادي أحد أهم ركائز هذه العلاقات. سواء من خلال مشروعات مثل الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، أو الدعم الإماراتي للمشاريع التنموية في مصر، فإن هذه المبادرات تعزز الاستقرار الاقتصادي وتخلق فرصًا للتنمية المستدامة.
غير أن هذه الوشائج المتينة تواجهها تحديات منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب تعزيزها عبر استراتيجيات شاملة:
-1 تعزيز التوعية الإعلامية: ينبغي تثقيف المواطنين حول كيفية التعامل مع المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، والتحقق من مصداقية المصادر قبل تداول الأخبار.
-2 تطوير استراتيجيات إعلامية موحدة: يمكن للدول العربية التعاون في إنشاء منصات إعلامية مشتركة لمواجهة الشائعات ونشر الرواية الرسمية حول العلاقات الثنائية. على سبيل المثال، يمكن استلهام تجربة مبادرة “بالعربي” التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد لتعزيز استخدام اللغة العربية على منصات التواصل إعلاميا يمكن الاسترشاد بتجربة المتحدة ودورها في تقديم إعلام قادر علي حمل السردية العربية.
-3 الاستفادة من الشباب: يمكن تسخير طاقات الشباب العربي، الذين يشكلون نسبة كبيرة من مستخدمي منصات التواصل، لنشر الوعي بالعلاقات العربية المتينة. منتدى شباب العالم الذي يرعاه الرئيس السيسى يُعد نموذجًا لتفعيل دور الشباب في تعزيز الحوار البناء.
نخلص إلى أن العلاقات المصرية العربية، وبالتحديد مع السعودية والإمارات، تمثل نموذجًا للشراكة الاستراتيجية التي تقاوم محاولات التشويش والفتنة. يؤكد ذلك الزيارات المتبادلة بين الرئيس السيسى والأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد، بما يعكس قوة هذه العلاقات وتجذرها في وجدان القادة. ومع ذلك، فإن التحديات التي تفرضها منصات التواصل الاجتماعي تتطلب استراتيجيات مبتكرة لمواجهة الشائعات وتعزيز الثقة المتبادلة. من خلال تعزيز التوعية الإعلامية، وتطوير استراتيجيات إعلامية موحدة، والاستفادة من طاقات الشباب، بما يمكن الدول الثلاثة من تعزيز وشائجها المتينة والحفاظ على وحدتها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
ولعل الأيام القليلة الماضية تشهد على ثبات الاتجاه والتطور المستمر في العلاقات المصرية مع السعودية والإمارات ، بما يعكس التزامهم المشترك بتعزيز الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية. زيارات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أبوظبي والرياض المتكررة في 2025، والتي تلتها زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى العلمين، تؤكد على عمق الشراكة الاستراتيجية، وتؤكد أن العلاقات المصرية مع السعودية والإمارات تُظهر تقدمًا ملحوظًا في التعاون الاقتصادي (12.4 مليار دولار مع السعودية و7.4 مليار دولار مع الإمارات) بما يجعلها نموذجًا للتعاون العربي المستدام.