أيام زمان .. زمان قوى .. كان اهتمام المنظمات الصحية العالمية، منصباًً على التعامل مع الأمراض المعدية والأوبئة القاتلة التى كانت تهدد البشرية من حين إلى آخر. فى تلك الأيام كانت أوبئة مثل الطاعون والجدرى والكوليرا تجتاح مدنا وبلدانا، وتحدث خسائر بشرية ضخمة. ونجح الإنسان بفضل الله والعلم والعمل الجاد .. فى التغلب على هذه الأوبئة الفتاكة من خلال التطعيمات وتحسين ممارسات الصحة العامة والصحة الوقائية وزيادة الوعى الجماهيري.. ولكن.. وفى هفوة ما.. اجتاح العالم حديثا فيروس كورونا فى واحدة من أخطر الأزمات الصحية الحديثة .. مات فيها 7 ملايين شخص فى كارثة سيكشف التاريخ يوما أسرارها وخباياها.
ومع تراجع مخاطر العديد من الأمراض المعدية طفت على السطح قضية أكثر خبثا وخطورة وهى الأمراض غير المعدية، مثل أمراض القلب والسكر والضغط والسرطان والأمراض التنفسية المزمنة. هذه الأمراض أصبحت، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، السبب فى 74 ٪ من الوفيات عالميا، أى ما يعادل 41 مليون حالة وفاة سنويا، معظمها فى الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
والمفارقة هنا أن هذه الأمراض غالبا ما تكون قابلة للوقاية، لأنها ناتجة عن نمط حياة غير صحي: الخمول بسبب قلة النشاط البدنى والجلوس أمام الشاشات، النظام الغذائى غير المتوازن وما يتبعه من سوء تغذية وعلى الأخص زيادة الوزن والسمنة، التدخين، تناول الكحول، قلة النوم، والضغط العصبى المتكرر.
تكمن خطورة هذه الأمراض فى أنها تتسلل إلى الجسد بهدوء وخبث، وغالبا بلا أعراض واضحة فى بدايتها. كثير من الناس يكتشفون إصابتهم بها بعد فوات الأوان، حين تبدأ المضاعفات أو تظهر الأعراض الخطيرة. ولذلك، فإن الاكتشاف المبكر يمثل خط الدفاع الأول ضد هذه الأمراض.
ومن هنا تأتى أهمية الفحص الطبى الدوري، وهو إجراء بسيط قد ينقذ حياة الكثير من البشر. ينصح الخبراء بإجراء فحوصات دورية، خاصة بعد سن الأربعين للنساء والرجال، مثل: قياس ضغط الدم والوزن ومحيط الخصر وتحليل السكر التراكمى والكوليسترول وفحص البروستاتا للرجال، ومسحة عنق الرحم وفحص الثدى للنساء .. أمور غاية فى البساطة ولاتستغرق سوى نصف ساعة سنويا ..
ورغم بساطة هذه الإجراءات، إلا أن كثيرا من الناس يتهاونون فيها، مفضلين مقولة «خليها على الله»… وكأن الوقاية تعارض التوكل! فى حين أن التوكل الحقيقى هو الأخذ بالأسباب، والفحص الدورى من أهمها.
بعض الدول ذات الموارد العالية توفر برامج فحص مجانية أو مدعومة لمواطنيها، لكن فى أغلب الحالات، تبقى المسئولية الشخصية هى الفيصل. فالصحة لا تنتظر، والأمراض لا تعطى إنذارا مبكرا دائما.
لعلنا نتكاتف فى الدعوة الى نداء لكل مواطن فوق الأربعين «اعقلها .. وتوكل « هى ليست نداءًً للقلق، بل دعوة للوعي، والمسئولية، والاهتمام بالذات. فصحتك أمانة، ولعل من أهم ما يمكن أن يحمى الإنسان من الأمراض غير المعدية الفتاكة هو تبنى نمط حياة صحى من الصغر .. النشاط البدنى المستمر والغذاء المتوازن والبعد عن التدخين وكافة المواد الضارة والاسترخاء النفسى والنوم الكافى .. وهنا يأتى دور المدرسة .. والصحة المدرسية الفاعلة بكل مفرداتها.. والتى نأمل أن نهتم بها ونطبقها بكفاءة فى مدارسنا .. كما فعلت أغلب دول العالم .. برامج الصحة المدرسية هى بوابتنا لحياة أصح وأفضل وأطول ..