من أعظم ما حققته مصر خلال السنوات العشر الأخيرة على مستوى الحياة العامة والسياسية، أن أحداً أو جماعة لم يعد لها نفوذ أو سيطرة فى الشأن العام أو فى التأثير على اتخاذ القرار السياسى الذى فيه مصلحة الوطن أو المواطن.
لا أقصد بذلك رفض الدولة للرأى الآخر أو كبت حرية التعبير أو المعارضة بمفهومها الوطنى الواسع الذى يمكن أن يحقق المصلحة العامة.
لكن أقصد ما سُمى فى فترة من تاريخنا السياسى بمراكز القوى صاحبة النفوذ والتأثير التى يمكن تتصور نفسها أو من يدعمها وينفخ فى صورتها، أنها لها حيثية ومكانة خاصة فى المجتمع تجعل لها حظوة ومكانة.
من حسن الحــظ، بل من تدبيــر الأمــور فى دولة 30 يونيو التى نعيش فى ظلالها وأمنها واستقرارها الآن.. أن مثل هذه الشخصيات التى كان يمكن أن يطلق عليها النخبة أو الأفنديات «الأرازل» فى زمن آخر أو أصحاب الياقات البيضاء قبل ثورة 1952.. مثل هؤلاء الآن خرجوا وتلاشوا واختفوا فى حركة حياة المجتمع، وهذا يرجع لعودة الدولة القوية الواعية بكل مؤسساتها الوطنية التى لا تسمح لأحد بالتمرد أو التقعر أو نفش الريش كالطاووس، ما يجعله يظن أنه فوق الرءوس.
واقع المجتمع يؤكد ذلك حتى ولو ظن البعض داخل نفسه أنه يمتلك المقومات لذلك، وأنه على الدولة أن تسمح له بمثل هذا التمدد والانتشار، خاصة عبر وسائل الإعلام والفضائيات وغيرها، يطلون منها ينظرون ويحللون ويلمعون أنفسهم، بل ويخرجون عقدهم ودواخل نفوسهم المتضخمة الغليظة أو السميكة.
ويكفى عليهم فقط وسائل التواصل الاجتماعى وصفحاتهم الخاصة التى يطلون منها على الناس يحاولون أن يذكروهم بأيامهم الماضية وتاريخهم الذى مضى، وجولاتهم وصولاتهم فى أزمان ماضية كانت تسمح بمثل هذا العبث الذى لم يعد الناس يطيقونه الآن، بعدما نضجوا وصاروا يمتلكون وعياً وتجارب مريرة لهم معها ذكريات تسببت من قبل فى مآس على غرار أحداث يناير 2011، والتى دفعت الدولة- وحتى الآن- أثماناً باهظة لهذا العبث وتلك الفوضى الإعلامية التى أنتجوها تحت مسمى حرية الرأى والتعبير، وتلك الصحف الخاصة التى كانت تروج لسطوتهم ونفوذهم، بل وصحافتهم الصفراء التى كانت تخلط الدين بالسياسة وبالجنس والإثارة.
>>>
من حسن الحظ، بل وتدبير الأمور أن الدولة الآن ليست مدينة لأحد، فالكل أمامها وأمام الناس سواء، لا أحد فوق القانون، ولا أحد فوق المحاسبة، ولا مجال غير أجهزة الدولة الشرعية عبر الأحزاب أو البرلمان لكى يطرح أفكاره ورؤاه وتكون قابلة للأخذ والرد فى حوار صحى عاقل ومستنير يتقبله الناس أو يرفضونه بعيداً عن أى مكانة أو تضخيم للذات لم يعد المجتمع يتقبله أو يسمح به، خاصة أن الشعب وحده الذى ساندته قواته المسلحة ليس مديناً لأحد، وإن كان يحفظ الوفاء لأرواح الشهداء الذين قدموا حياتهم لكى يعود الوطن من قبضة الأشرار والعملاء.
الحياة السياسية العامة الآن ليست بحاجة لنجوم ترفع صورهم فوق محاور الطرق ومغازلة رجال الأعمال لكى تزداد أرصدتهم عبر الفضائيات أو السوشيال ميديا، بقدر حاجتها لشباب ووجوه جديدة قادرة على العطاء عبر الأحزاب التى لديها القدرة على التفاعل مع الشارع واحتياجات المواطن، وأيضا الانخراط فى العمل المجتمعى بعد التدريب الكافى عبر الأكاديميات الوطنية التى تعتمد على البحوث والدراسات العلمية والاطلاع على ما يحدث فى العالم من تطور وتقدم ونمو، ممزوجاً بظروف مصر وخصوصياتها وتحدياتها، وأيضا تجربتها على الطريق الصحيح فى التنمية وعشرات المشروعات القومية ومبادراتها الفاعلة فى مواجهة المشكلات المزمنة التى كانت تواجه الطبقات المهمشة.
>>>
باختصار، إن هذه الوجوه الرزيلة التى تحاول أن تطل من جديد بأفكارها وآرائها المتقلبة والمتناقضة، صارت مكشوفة وممجوجة لدى المصريين الذين صاروا يمتلكون وعياً وحصافة تقيهم شرور مثل هؤلاء «الأفنديات» القدامى الذين يعاودون إنتاج أنفسهم بعدما ولى زمانهم الذى لن يعود.. بفضل إرادة الناس أنفسهم ووعيهم وقدرتهم غير المحدودة على فرز الغث من السمين.