كنت فى تسعينيات القرن الماضى مكلفا من «الجمهورية « بتغطية أخبار وزارة الخارجية مع الزميل الفاضل الراحل محمد إسماعيل عليه رحمة الله.. وكان الصحفيون فى ذلك الوقت يذهبون لوزارة الخارجية يوميا لتغطية أخبار الوزارة.. وكنا نحرص على مقابلة عدد من مساعدى الوزير نتحاور معهم حتى نتمكن من الحصول على الأخبار المختلفة.. وبعدها نتواجد داخل إحدى القاعتين اللتين كانتا مخصصتين للصحفيين.. كانت القاعة الأولى تحمل اسم الصحفى القدير الراحل حمدى فؤاد.. والثانية تحمل اسم الإذاعى الراحل حمدى جوهر.. تقديرا من وزارة الخارجية لدور الصحافة والإعلام.. وكانت إدارة الصحافة بالوزارة حريصة على إمدادنا يوميا بموجز لأهم ما قيل أو كتب عن مصر فى مختلف وسائل الإعلام والصحافة العالمية..
وفى أحد الأيام تلقينا النشرة وبها تصريحات للنتنياهو يطالب فيها مصر بالأبتعاد بأنفها عن مباحثات السلام حتى تسير المباحثات فى طريقها الصحيح.. وكالعادة كنا نستعد يوميا لمقابلة وزير الخارجية عمرو موسى قبل مغادرته مبنى الوزارة فى الثالثة ظهرا.. وفى أغلب الأحيان كانت تصريحاته هى العناوين الرئيسية فى الصحف فى اليوم التالى.. وعندما هممت بسؤاله عن النتنياهو وتصريحاته.. رد قائلا ماله نتنياهو.. وعندما أعدت عليه تصريحات النتنياهوالتى يطالب فيها مصر بالابتعاد بأنفها عن مباحثات السلام.. رد قائلا.. على نتنياهو أن يبتعد عن أنف مصر حتى تبتعد مصر عن أنفه..وواصل حديثه الموجه الى النتنياهو وكانت تصريحاته حادة وصريحة.. وأتذكر جيدا أنه عقب انتهاء الوزير عمرو موسى من تصريحاته..سألته هل هذا الكلام للنشر؟.. فكان رده حادا وحاسما.. «هو أنا بقوله ليه.. طبعا للنشر» .. وبالفعل قمت بكتابة تصريحات عمرو موسى ردا على تصريحات نتنياهو منفصلة عن باقى تصريحاته فى ذلك اليوم.. وأرسلتها إلى الجريدة حيث تم نشرها داخل مربع أو كما نقول نحن فى لغة الصحافة داخل بوكس فى صدر الصفحة الأولى على مساحة مناسبة.. وكثيرا ما كنت أحكى للاصدقاء عن هذه التصريحات التى كانت تحمل معانى كثيرة.. فى مقدمتها موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية.. وعدم تراجعها ولو مرة واحدة فى الدفاع عن القضية ومساندة أهالينا الفلسطينيين.. تذكرت هذه التصريحات التى لم ولن أنساها ليتأكد لنا جميعا أن موقف مصر ثابت من الدفاع عن القضية الفلسطينية.. ورغم مرور السنين إلا أن القضية الفلسطينية ستظل قضية مصر الأولى..
ولولا موقف مصر فى أكتوبر 2023 لكان كل شىء قد تغير.. وهو الموقف الذى أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ بداية الحرب على غزة فى 7 أكتوبر 2023 ورفضه تهجير الفلسطينيين من غزة بدفعهم إلى سيناء للخروج من أراضيهم دون عودة لتنتهى القضية الفلسطينية.. وتأكيده على رفضه تصفية القضية الفلسطينية.. ودعوته إلى أهالينا فى غزة بالتمسك بالأرض وعدم تركها.. واصراره على إعادة إعمار غزة فى وجود أهالى غزة.. والوقوف فى مواجهة مخطط تصفية القضية الفلسطينية..
ولم تؤثر فى مصر تلك المظاهرات التى تدبرها جماعة الإخوان الإرهابية أمام عدد من سفاراتنا بالخارج.. بل تواصل جهودها فى إيصال المساعدات لأهالينا فى غزة على الرغم من التعنت الإسرائيلى فى انفاذ وادخال المساعدات.. فى إطار تنفيذ خطتها الإجرامية بتجويع الشعب الفلسطينى.. وفى اطار خطتها لإبادة هذا الشعب الصامد.. الذى سقط منه أكثر من 70 ألف شهيد حتى الآن.. بينهم 18 ألف طفل وحوالى 300 رضيع وقرابة 13 ألف سيدة.. إلى جانب آلاف المفقودين.. وكل هذا يحدث تحت سمع وبصر المجتمع الدولى الخانع للنتنياهو.. وكأنه لا يرى ما يفعله من جرائم حرب.. وعجز محكمة العدل الدولية فى الوصول إليه لمحاكمته كمجرم حرب..
إن الصمت العالمى عما يحدث فى غزة لمدة قاربت على العامين أصبح غير مقبول.. ولا يمكن أن يستمر عجز المجتمع الدولى فى مواجهة هذا النتنياهو..
وستظل مصر ثابتة على موقفها فى مناصرة القضية الفلسطينية.. وتواصل جهودها فى إيقاف هذه الحرب البشعة.. وإنفاذ المساعدات عن طريق البر من خلال المنافذ المغلقة من الجانب الإسرائيلى الذى يسعى يوميا لتجويع أهالينا فى غزة.. أو من خلال الاسقاط الجوى التى تقوم به قواتنا الجوية..
ونأمل أن يستيقظ الضمير العالمى ويقف ليساند القضية الفلسطينية حتى تقوم الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وكل جرائم الحرب الإسرائيلية لن تخيف الشعب الفلسطينى.. ولن تقضى عليه..إنما تزيده قوة .. وتشبثا بأرضه.. وتحيا مصر.