عُقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بمدينة جدة، بالمملكة العربية السعودية، لبحث حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقرارها توسيع عملياتها العسكرية.
جاء الاجتماع بهدف تنسيق المواقف والجهود المشتركة لمواجهة القرارات والخطط الإسرائيلية الهادفة إلى ترسيخ الاحتلال والسيطرة الكاملة على قطاع غزة.

الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي
حمّل الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، إسرائيل مسؤولية العمليات العنيفة ضد الفلسطينيين. وأعرب عن رفضه للعدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، والتدمير الممنهج، والحصار غير الشرعي لقطاع غزة، الذي يستخدم التجويع كسلاح حرب. كما ندد طه بسياسات الضم والاستيطان والاعتداء على الأماكن المقدسة، خاصة في مدينة القدس الشريف.
وأدان الأمين العام التصريحات التي تهدد بفرض حصار عسكري كامل على قطاع غزة، وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي دعا فيه إلى تحقيق “رؤية إسرائيل الكبرى”. وشدد على أن هذا الإعلان يشكل انتهاكًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وندد بالمقترحات المتعلقة ببناء المستوطنات شرق القدس واستهداف الصحفيين في غزة.
ودعا طه المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لكسر الحصار والسماح بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، وضرورة العمل على وقف إطلاق النار، ومنع الاستيطان في الأراضي المحتلة، وعقد مؤتمر لإعادة الإعمار في القاهرة.
وأشار إلى دعمه لمخرجات مؤتمر نيويورك الخاص بتحديد المسار، وإعلان بعض الدول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، داعيًا الدول الأعضاء الأخرى إلى دعم هذه المبادرة. وأعرب عن أمله أن يخرج الاجتماع بإجراءات لوقف العدوان، والسماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وفقًا للقرارات الأممية.

مندوب فلسطين
تطرق مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير رياض منصور، في كلمته، إلى مساعي إسرائيل لبسط السيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة، وإطالة أمد هذه الحرب، ومنع قيام دولة فلسطين المستقلة.
وأشار إلى تصريحات رئيس وزراء الاحتلال حول تحقيق “حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”، بالإضافة إلى اعتماد خطة “سموتريش” غير القانونية للتوسع الاستعماري وضم الضفة الغربية المحتلة، وهو ما أدانه بأشد العبارات.
وأوضح السفير منصور أن هذه التصريحات تُعد توضيحًا إضافيًا للعدوانية التي تستهدف المنطقة بأكملها، مؤكدًا أن إفلات إسرائيل من العقاب هو ما أدى إلى “جنونها”. وشدد على أن ما سيُجبر إسرائيل على تغيير مسارها هو قدرة المجتمع الدولي على تحويل الإدانات إلى أفعال تحقق العدالة وتنهي الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أن المؤتمر الدولي رفيع المستوى، الذي شاركت في رئاسته المملكة العربية السعودية وفرنسا، اعتمد خطة دولية تبدأ بإنهاء استخدام التجويع كسلاح حرب، ووقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وانسحاب إسرائيل الكامل من القطاع. وتدعم هذه الخطة المساعي العربية والإسلامية لإعادة الإعمار، وتدعو إلى عقد مؤتمر في القاهرة بعد وقف العدوان.
وبيّن أن الخطة تتوقع استئناف السلطة الوطنية الفلسطينية لمهامها الحكومية والأمنية في قطاع غزة بدعم إقليمي ودولي، وتسليم السلاح إلى السلطة الفلسطينية في سياق إنهاء الحرب، بما يتماشى مع هدف إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، ويقود إلى السلام والأمن المشتركين.
وثمّن منصور المواقف الشجاعة التي تعارض الإبادة الجماعية والتجويع الذي تمارسه إسرائيل، ومنها موقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي أطلق “صرخة ضمير” ضد المجاعة في غزة بعد تأكيدها رسميًا من قبل المنظمات الدولية.
وشدد على أنه لا يمكن مواجهة هذه “الخطة غير القانونية وغير الأخلاقية” بالغضب وحده، بل يجب حشد جميع الأدوات المتاحة لوقفها. وأشار إلى أن إسرائيل أثبتت منذ زمن بعيد أنها لا تهتم بميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي إذا لم تكن مصحوبة بعواقب.

المملكة العربية السعودية
قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إن العدوان الإسرائيلي غير المسبوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة قطاع غزة، يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية الإنسانية. ودعا المجتمع الدولي إلى وضع حد للجرائم التي يرتكبها الاحتلال، ورفض نيته في فرض سيادته على غزة.
وأكد أن بلاده تؤمن بأن الممارسات الإسرائيلية تهدد السلام والأمن، وتعمل على مواجهة هذا التهديد من خلال توحيد الصفوف والجهود. كما شدد على ضرورة اتخاذ خطوات لكسر الحصار، وإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم “الأونروا” والوكالات الإنسانية.
ونددت السعودية على لسان وزير خارجيتها بالتصريحات التي نشرها رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرًا حول “رؤية إسرائيل الكبرى”، وأعرب عن رفضه للمشروع التوسعي الذي اعتمدته السلطات الإسرائيلية، مؤكدًا حق الفلسطينيين في العيش بدولة ذات سيادة. ودعا الأسرة الدولية إلى التوحد لدعم الحكومة الفلسطينية، ومطالبتها بإلزام الاحتلال بتحرير العائدات الضريبية للسلطة الفلسطينية.
قال وزير الشؤون الخارجية لجمهورية غامبيا الإسلامية، إن الوضع في فلسطين يتطلب عملًا عاجلًا، فالأوضاع تزداد سوءًا والخسائر في أرواح الغزيين تتزايد. وشدد على أن استمرار العمليات العسكرية والتهجير القسري والقتل لا يساعد على تحقيق السلام في المنطقة، وأن الكارثة الإنسانية في غزة لها تداعيات كبيرة لا تؤثر على المنطقة فقط، بل على الأمة الإسلامية والمجتمع الدولي بأكمله.
وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي يلحق ضررًا بالفئات المستضعفة، حيث انفصل أطفال كثيرون عن عائلاتهم، وفقدوا آباءهم، كما أنهم يفتقرون للغذاء والنظافة والتعليم.
جهود مصر وقطر
وأكد على دعم بلاده لجهود مصر وقطر من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية. واختتم كلمته بأن استمرار الإفلات من العقاب يقوّض النظام العالمي وقواعده، ويهدد بتوسيع دائرة العنف، مما يقوّض الأمن والسلام في المنطقة والعالم.
موقف تركيا
قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن إسرائيل ترتكب “جريمة إنسانية” لا يمكن السماح باستمرارها، ويجب وقفها.
وأضاف أنه يجب العمل على وقف إطلاق النار وتوحيد الجهود للحفاظ على زخم الاعتراف بدولة فلسطين، والسعي للحصول على عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، مع تعليق عمل إسرائيل في الجمعية العامة. وأكد أن تركيا مستعدة للمساهمة في جهود إعادة إعمار قطاع غزة ضمن الخطة العربية والإسلامية.
وشدد على أن غزة ملك للفلسطينيين، ويجب التأكد من بقائهم في أرضهم، وأن الأولوية هي لوقف إطلاق نار دائم، والسماح بوصول المساعدات.
وأكد فيدان دعم تركيا لجهود السلام التي تقوم بها قطر ومصر، مشيرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لا تبحث عن السلام، ويجب عليها الموافقة على مقترح وقف إطلاق النار. وأشار إلى أن هناك رفضًا متزايدًا لسياسات الاحتلال القمعية، وأن المجتمعات الغربية بدأت تغير موقفها.
ورحب الوزير التركي بإعلان فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في المؤتمر الذي عُقد في نيويورك. وأضاف أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية “بات يتحول خطوة بعد أخرى إلى حقيقة لا رجعة عنها”، ويجب إبقاء إسرائيل تحت ضغط قوي ومنسق للتوصل إلى حل دائم.
ونوه إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر ستشكل “لحظة مصيرية” في هذا السياق، داعيًا منظمة التعاون الإسلامي لاغتنام الفرصة لتعزيز مؤسسات الدولة الفلسطينية، التي تحتاج إلى دعم فني ومؤسسي للعمل بثبات.
وحذر فيدان من أن عدوان إسرائيل لن يتوقف عند فلسطين، فالأعمال غير الشرعية التي تشنها حكومة نتنياهو على سوريا ولبنان وإيران تكشف عن أجندة تزعزع الاستقرار في المنطقة وما يتعداها.