خرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو قبل بضعة أيام بضربة كبرى مفادها دعمه رؤية «إسرائيل الكبرى» – عارضا خريطة الأرض الموعودة والتى تضم فى مساحتها بالإضافة إلى الأراضى الفلسطينية المغتصبة – أجزاء من الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان وسوريا والعراق ومصر والسعودية والكويت.. أى كل الأراضى الواقعة من النيل إلى الفرات.. وهذه التصريحات العلنية التى جاءت على لسان الـ «نتنياهو» أثارت غضباً وانتقادات واسعة ليس فى الدول العربية وإنما الإسلامية وصفت ادعاءاته بأنها تصعيد وتهديد لسيادة الدول المحيطة فى وقت يموج فيه العالم بتقلبات واضطرابات تترى.
صراحة رغم أن هذه التصريحات استفززاية شوفينية إلا أنها فضحت المخططات التوسعية وما تسيطر عليه العقول الصهيونية من أفكار شيطانية فى الخفاء، لذا اتخذوا من عملية 7 أكتوبر 2023 ذريعة ليس لإبادة أهل غزة متخذين سياسة الأرض المحروقة لإجبارهم على التهجير إلى الدول المجاورة، وإنما لابتلاع والضفة ورام الله وأريحا أولاً ثم التوسع فى البلدان المجاورة لتحقيق الوعد التورانى بأرض الميعاد لأنهم شعب الله المختار وأن على اليهود المجاهدة لاسترداد أرض آبائهم التى وعدها الله لهم ولذريتهم فى العهد القديم المبرم بين «يهود» وإبراهيم وفق العقيدة التوراتية قبل آلاف السنين.
الحقيقة.. نشوة انتصار نتنياهو المزيفة لقيامه ببعض العمليات العسكرية الخاطفة فى سوريا ولبنان وغزة.. جعلته يخرج بهذه التصريحات الاستفزازية غير المسئولة وكأنه ملك الدنيا وما عليها، ناسياً أن ما يحلم به مستحيل تحقيقه مهما كانت آلياته التدميرية واتخاذه العنف والإرهاب فلسفته فى التعامل ليكشف عن قسوة قلوب أسلافه من بنى إسرائيل وليعيد ما قاله مناحم بيجن فى كتاب الثورة عند ما برر عمليات القتل والتشريد بقوله: أنا أحارب إذاً أنا موجود.. من الدم والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال (اليهودى المحارب) سعياً لتحقيق نبوءة الرب لشعب الله المختار ووعده بتملك الأرض المقدسة وما حولها.
عموماً ما تندر به نتنياهو ليس بعجيب أو غريب فهى بمثابة بالونات اختبار انتظاراً لردود الأفعال أطلقها من قبله بن جوريون وهرتزل وجولدمائير وغيرهم وللأسف روج لهم بل وصدقهم بعض الساسة فى الغرب وأمريكا ولمسناه فى سياسات الرؤساء ريجان وبوش وابنه وكلينتون وأوباما وترامب وذكره جيمى كارتر فى مذكراته الذى أعلن صراحة بأن تأسيس إسرائيل المعاصرة تحقيق للنبوءة التوراتية وهو ما يجسد البعد الدينى الأمريكى فى الصراع الصهيوني- الإسلامى على فلسطين عامة والقدس خاصة وأن هذا التأييد الأمريكى الأعمى للأسف جعل نتنياهو يزداد وحشية ودموية ويفصح عن أحلامه فى تحقيق ما لم يحققه السابقون على مدى التاريخ وهو (إسرائيل الكبري) ويردد ما ردده الصهاينة سواء كانوا من رجال الدين أو السياسيين بأنه: (لا معنى لإسرائيل بلا أورشليم «القدس» ولا معنى لأورشليم بلا هيكل) لذا يسمح لابن غفير واليهود باقتحام المسجد الأقصى شبه يومياً بل ويشجع اليهود على الاستمرار فى أعمال التنقيب والهدم أسفل المسجد الأقصى بحثا عن بقايا الهيكل (هيكل سليمان) لإعادة بنائه للمرة الثالثة بعد أن تم تدميره أول مرة فى 587 قبل الميلاد على يد ملك بابل بختنق وللمرة الثانية عام 70 ميلادية على يد الملك الرومانى طيطس وهذا ما جعلنى أقوم بتأليف كتاب بعنوان (هيكل سليمان) قبل 12 عاماً.
إذا كان نتنياهو وعصابته يعتقدون أن لهم الحق فى فلسطين تاريخيا.. لوجود أسلافهم على فترات زمنية أيام مملكة إسرائيل فى الشمال وتضم الأسباط العشرة وعاصمتها السامرة ومملكة يهوذا فى الجنوب وعاصمتها أورشليم «القدس» وتم تدميرهما وتشريد أهلهما فى أصفاع الأرض.. فإن هذا لا يعنى أن الأرض المقدسة صارت ملكهم وإلا ما هجروها حتى وعد بلفور فى 1948 وإلا من حق المسلمين أن يعودوا إلى إسبانيا لأنهم أقاموا فى الماضى دولة الأندلس استمرت عدة قرون وإلا من حق البريطانيين العودة إلى حكم أجزاء كبيرة فى أمريكا وكذلك المكسيك وحتى الإسبان والبرتغاليين الذين أقاموا فى أمريكا مئات السنين بعد اكتشافها وهكذا.. فليس كل من حكم شعوبا أخرى لمئات السنين بعد احتلالها صار صاحب الأرض ويطالب يوما بالعودة إليها.. وفى النهاية على نتنياهو أن يستفيق وأن يتخلى عن أحلامه التوسعية فصاحب الأرض يتشبث بها ولن يتخلى عنها مهما كان جبروت المعتدى والدليل أهل غزة الذين فضلوا البقاء على أرضهم رغم الموت الذى يحاصرهم من كل مكان، فما بال الدول التى أرادت التوسع فيها لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.. أفيق يا نتنياهو وأفيقوا يا بنى إسرائيل.. وإلا سلط الله عليكم عباداً أولى بأس شديد.
أفقدوكم كل شىء وأعادوكم إلى الشتات مثل بختنق البابلى وطيطس الرومانى.. وأنصحكم بقراءة التاريخ.