مع تسارع الأزمات الاقتصادية العالمية، أثبتت الشركات الناشئة قدراتها على تلبية الاحتياجات ودفع عجلة النمو.. فى مصر تدعم الدولة الشركات الناشئة بهدف تمكين المبتكرين ورواد الأعمال ولهذا دشنت الحكومة مجموعة وزارية لريادة الأعمال ، بهدف دعم هذا المجال والتوسع فيه والمنافسة عالمياً وإعداد جيل جديد من رواد الأعمال من خلال العمل على توسيع برامج الدعم لتمكين هذا القطاع الحيوي. وبفضل البنية التحتية المتطورة، والتحول الرقمي، والدعم الفني، والتمويلات الميسرة، أصبحت مصر بيئة جاذبة لشركات ناشئة تنافس إقليمياً وعالمياً.
وفى هذا الإطار، ترصد «الجمهورية» واقع قطاع الشركات الناشئة، الذى بات يشكل عنصراً أساسياً فى معادلة الاقتصاد المصري، بين تحديات قائمة وفرص واعدة للنمو.
الأرقام تقول أن الشركات الناشئة تشكل أكثر من 90 ٪ من إجمالى الشركات عالمياً، وتوفر أكثر من 70 ٪ من فرص العمل، ما يعكس أهميتها كمحرك رئيسى لاقتصاد الدول.. وشهدت مصر طفرة فى هذا القطاع، حيث تضاعف عدد الشركات الناشئة أكثر من 5 مرات خلال 5 سنوات ليصل إلى 2118 شركة باستثمارات تقترب من 8 مليارات دولار، وفق تقرير رئاسة مجلس الوزراء.
وأشار تقرير «انطلاق لريادة الأعمال» إلى أن أكثر من 30 ٪ من تلك الشركات توسعت إقليمياً ودولياً، وزادت استثماراتها بنسبة 116 ٪ فى عام 2022 كما استقطبت الشركات الناشئة تمويلاً بقيمة 228 مليون دولار خلال الفترة من يناير إلى مايو 2025، بزيادة 130 ٪ عن نفس الفترة من عام 2024، مما يعكس ثقة المستثمرين والإجراءات الحكومية المحفزة لمناخ الاستثمار.
سياسات حكومية داعمة
قال الدكتور نزار سامي، مستشار ريادة الأعمال ومؤسس مبادرة رواد النيل، إن الحكومة وضعت برنامجاً لدعم الابتكار وتمكين الشركات الناشئة، تقوده المجموعة الوزارية لريادة الأعمال برئاسة وزيرة التخطيط. وأوضح أن الحكومة تسهل التمويل عبر الربط بين الشركات وجهات التمويل، حيث بلغت التمويلات الميسرة المقدمة للقطاع الخاص 15.6 مليار دولار خلال 4 سنوات.
وأضاف أن الدعم يشمل التدريب ونشر ثقافة العمل الحر، من خلال مبادرات مثل «رواد 2030» و «المليون رائد أعمال»، إلى جانب توفير حاضنات ومسرعات الأعمال. كما أشار إلى أن الحكومة تعمل على إعداد «ميثاق مجتمع الشركات الناشئة» لتعزيز بيئة ريادة الأعمال، وأطلقت «منصة حافز»، وهى منصة رقمية تقدم أكثر من 90 خدمة فنية ومالية، وتستخدمها أكثر من 22 ألف شركة بهدف التمويل والتشبيك والتوسع محليًا وإقليميًا.
قالت دكتور هبة زكى مديرة مركز مصر لريادة الأعمال والابتكار التابع للمعهد القومى للحوكمة والتنمية المستدامة إن الدفع بتنمية قطاع ريادة الأعمال وتعزيز المشروعات الريادية والابتكارية محور أساسى فى تحقيق التنمية المستدامة، مشيرة إلى أن الدولة دفعت بجهود عديدة فى هذا الشأن. وأوضحت أن مركز ريادة الأعمال والابتكار تم تأسيسه فى عام 2023 بهدف تمكين الشركات الناشئة ورواد الأعمال، من خلال تقديم كافة الخدمات المتعلقة بالقطاع، مؤكدة أن المجموعة الوزارية الخاصة بقطاع ريادة الأعمال، تسعى لتوفير السياسات الداعمة للشركات الناشئة وتعزيز بيئة الأعمال، بهدف تعظيم استفادة الاقتصاد المحلى وتطوير أداء تلك الشركات وتوصيلها بالأسواق الخارجية.
وتابعت أن إستراتيجية عمل المركز تعتمد على 3 محاور وهي: التشبيك من خلال تشبيك كل اللاعبين الرئيسين فى مجال ريادة الأعمال بهدف احداث تكامل وانسيابية، والثانى الابتكار من خلال دعم الشركات التى تحقق اهداف التنمية المستدامة وتترجمها على أرض الواقع إلى ابتكار مستدام، مشيرة إلى أن المحور الثالث يتمثل فى توفير كافة البيانات عن قطاع ريادة الاعمال لتمكين صناع القرار من اتخاذ قرارات سليمة مبنية على أرقام وحقائق.
وأشارت إلى أن المركز يقدم خدمات متنوعة لدعم رواد الأعمال منذ مرحلة الفكرة إلى مرحلة النمو والتوسع والتواصل مع المستثمرين للحصول على جولات استثمارية، إضافة إلى خدمات المؤسسات الحكومية وصانع القرار عن طريق توفير البيانات والتقارير الدولية التى تحتوى على مؤشرات ريادة الأعمال فى مصر، لافته إلى ان المركز يفتح مجال الفرص الاستثمارية أمام أصحاب رؤوس الاموال للاستثمار فى الشركات الناشئة الواعدة والتواصل مع رواد الأعمال، مضيفه أن المركز يوفر كافة سبل الدعم الخاصة بالجهاد الداعمة كحاضنات ومسرعات الأعمال.
التكيف مع التحديات الاقتصادية الحديثة
تحدث الدكتور أحمد عادل منصور خبير التكنولوجيا المالية وعضو مجلس إدارة بالتجارى وفا بنك إيجيبت، أن الوقت الراهن هو الأنسب لأصحاب المشاريع الناشئة فى ظل احتياج السوق لمنتجات وخدمات متطورة غير تقليدية، مؤكدا أن شركات التكنولوجيا الناشئة أو تلك الشركات التى تعمل فى مجالات أخرى مدعومة بالتكنولوجيا، هى من أكثر القطاعات المحركة للاقتصاد، وداعمة بشكل قوى لكافة القطاعات الاقتصادية.
وتابع أن المعاملات الالكترونية الكثيفة دفعت بضرورة وحتمية التحول الرقمى فى كافة المجالات الاقتصادية، لافتاً إلى أن الدولة اتخذت خطوات جادة لدعم الشركات الناشئة العاملة فى التكنولوجيا المالية، مؤكدا أن القطاع التكنولوجى والحلول الرقمية من أكثر القطاعات جذباً للاستثمار، وأن المستثمرين ومؤسسات التمويل يحددون وجهة أموالهم نحو القطاعات الواعدة والتى حققت نمواً كبيراً، مشيراً إلى أن باب الفرص مفتوح أمام رواد الأعمال والمبتكرين فى ظل انشاء مجموعة وزارية تعمل على توحيد الجهود لدعم وتمكين أصحاب الشركات الناشئة، لافتًا إلى أن السوق فى حاجة لمزيد من الاستثمارات فى مجال الخدمات التكنولوجية والمدفوعات الالكترونية.
وأكد أن القطاع المصرفى أعلن عن برامج تمويل حديثة للشركات الناشئة المعتمدة على المبتكرين والحلول الرقمية، وشدد على ضرورة توافر عدد من محفزات النمو على اختلاف مراحل دورة حياة هذه المشروعات، متضمنة الدعم الفنى والإدارى ودعمها فى النفاذ للائتمان وضمانات التمويل، وتعزيز قدراتها التسويقية للنفاذ للأسواق الخارجية.
جيل جديد من رواد الأعمال
سعيد محمد رائد اعمال ومؤسس مبادرة تمكين الشركات الصغيرة للتصدير، أكد أن فى الوقت الذى تعلن فيه بعض الشركات الكبرى عن تعثرها وخسارتها، يكون المجال متاحا للشركات الناشئة للتواجد، مؤكدا أن الفرصة متاحة امام تلك الشركات لتلبية احتياجات الأسواق الخارجية وزيادة الحصة التصديرية، لافتا إلى أن منصات تنمية وتطوير الأعمال تضمن تشبيك أصحاب المشروعات بالخارج.
وقال انه قام بتأسيس منصة متخصصة فى عرض وترويج المنتجات اليدوية والملبوسات فى السوق الأمريكي، مشيرا إلى أن هناك أكثر من ألف مصدر فى انتظار تفعيل وجدهم بالأسواق الخارجية، مؤكدا زيادة الطلب على المنتجات المصرية وانه تم فتح مخازن بتلك الأسواق لاستقبال المنتجات.
وأكد أن العديد من الشركات أصبح لديها القدرة على تصدير «البراند المصري» للأسواق العالمية فى مجالات متعددة، على رأسها منتجات الصناعات الغذائية، والأشغال اليدوية، ومنتجات العناية الصحية، مشيرا إلى أن أكثر من 35 ٪ من الشركات الناشئة، لها توسعات إقليمية وعالمية، مشيرا إلى أن حسب أخر تقرير صادر عن مؤسسة إعلامية أوضح أن مصر تأتى فى المرتبة الأولى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، من حيث حجم الاستثمارات التى تم ضخها فى الشركات الناشئة فى النصف الأول من 2024، ومن المتوقع أن يصل حجم الاستثمارات فى هذا القطاع ما يقارب تريليون دولار مع نهاية العام.
قال المهندس أسامة فهمى مؤسس مجموعة عالمية لتنمية الأعمال والفرص الاستثمارية إن المعرفة والابتكار والتكنولوجيا، هى الأدوات المحركة للاقتصاد الحديث، مشيرا إلى أن تلك الأدوات يمتلكها الجيل الجديد من رواد الأعمال.
وأوضح أن توجه الدولة لدعم ريادة الأعمال تحت إشراف مجموعة وزارية تعمل من أجل تهيئة بيئة عمل مناسبة هو بمثابة انطلاق للاقتصاد المصرى نحو النمو الحقيقى والتنافسية، مشيرا إلى أن العديد من الشركات المصرية الناشئة أثبتت نجاحا منقطع النظير فى الأسواق الخارجية، واستطاعت النفاذ للخارج بمنتجاتها، لافتا إلى أهمية توفير وسائل تمكين أصحاب المشروعات من الوصل للأسواق الخارجية عبر المنصات التجارية، متابعا أن توفير منصات تنمية الأعمال ودعمها من الحكومة بتوفير بنية رقمية متطورة يسهم فى نجاح الشركات من اقتناص الفرص بالخارج.
أكد أحمد ماهر الخبير الاقتصادي، أن الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر تمثل العمود الفقرى لأى اقتصاد حديث، مشيرًا إلى أنها أصبحت اليوم من أهم محركات التنمية فى المجتمع المصري، ليس فقط من حيث المساهمة فى الناتج المحلي، ولكن أيضًا من خلال دورها الحيوى فى توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة بين الشباب.
وقال إن المرحلة الحالية تتطلب توجيه بوصلة السياسات الاقتصادية نحو دعم هذه الفئة من المشروعات، التى باتت تجتذب اهتمام السوق والمستثمرين، لا سيما فى ظل التحول العالمى نحو الابتكار والاستدامة والعمل عن بُعد.
وشدد على ضرورة أن تتبنى الدولة سياسات تحفيزية قوية تشمل الإعفاءات الضريبية المباشرة، وتيسير الحصول على التمويل منخفض الفائدة، بالإضافة إلى توفير برامج تدريبية متخصصة ترفع من كفاءة رواد الأعمال وتساعدهم على تحويل أفكارهم إلى نماذج أعمال قابلة للنمو والاستمرار.
ولفت إلى أن دعم ريادة الأعمال يجب أن يمتد إلى القطاع الخاص من خلال الشراكات الذكية، ورءوس الأموال المغامِرة، ومؤسسات المجتمع المدني، لخلق منظومة متكاملة تحفز الإبداع وتحتضن الطاقات الشابة.
شدد خبير الاقتصاد الدكتور كريم رأفت أنه على رجال الأعمال القيام بدور أكثر فاعلية فى دعم الشركات الناشئة، من خلال الدخول كمساهمين بنسبة من الأسهم فى هذه الشركات، مما يمنح رواد الأعمال دفعة قوية لتحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة، ويعزز من فرص نمو هذه الكيانات الواعدة داخل السوق المحلي.
وأوضح أن هذا النوع من الشراكة لا يحقق فقط منفعة مالية متبادلة، بل يسهم أيضًا فى نقل الخبرات وتوسيع شبكة العلاقات، وهو ما تحتاجه بشدة الشركات الصغيرة فى مراحلها الأولي.
ودعا الشباب إلى التفكير وابتكار أفكار جديدة غير مكررة، مؤكدًا أن التحدى الحقيقى ليس فى التمويل، بل فى وجود فكرة قوية قابلة للتنفيذ.
واكد: «التمويل أصبح أمرًا يمكن الوصول إليه، سواء من خلال رجال الأعمال الراغبين فى الاستثمار فى الشركات الناشئة، أو عبر المبادرات المختلفة التى تطلقها الدولة لدعم ريادة الأعمال.»
وشدد على أن السوق المصرى ما زال متعطشًا لحلول مبتكرة فى مجالات التكنولوجيا والتعليم والصحة والخدمات، وأن الشباب يمتلكون طاقات كبيرة يمكن توجيهها لصناعة التغيير، بشرط امتلاك رؤية واضحة وإرادة حقيقية.