بعيداًًً عن العواطف والمشاعر التى تحركها الايديولوجيات، وبعيداًًً عن التفاصيل التى تطيرها وسائل الإعلام والصحافة، وبعيداًً عن نتائج « مفاوضات الرمق الأخير التى تديرها القاهرة باقتدار» وبعيداًً عن المناكفات الإقليمية والمكايدات السياسية، لابد لنا أن نقف قليلاً فى مربعات التجرد ونقرأ نتائج تلك الحرب اللعينة التى جاءت على الأخضر واليابس وحوًّلت قطاع غزة إلى ما يشبه القبور، تحوًّلت تلك المنطقة إلى أثر بعد عين وهذه أولى النتائج الخادعة التى تأخذ القلوب والأبصار بعيداًً عن النتائج الحقيقية والتى ساهمت فى تغيير المعادلة الإقليمية المتعارف عليها، لقد تخطت غزة بتلك الحرب مراحل « جز العشب أو اقتلاعه « وقص الشوارب أو حرقها « غزة فى مكان آخر لا تستحقه بالتأكيد، لكن كل هذا يخرج من بين الحنايا والضلوع وليس من بين العقول، لذلك أرى وأتصور أن هناك جهات علمية « محايدة « يمكن أن تقوم بهذه الدراسة الكاشفة للمتغيرات الحاصلة يمكن أن نصل من خلال تلك الإضاءات العلمية إلى استشراف المستقبل بشكل أكثر وضوحاً، وبدون إطار ومنهج علمى يمكن أن نرصد النتائج التالية، لقد هُزمت إسرائيل لكن حماس لم تنتصر وربما انتصرت القضية الفلسطينية فقط مع عودة المسألة اليهودية لتطل من جديد على المشهد الغربى كأحد التحديات الانتخابية القادمة، وهنا يمكن الإمعان فى حقيقة الوضع الداخلى فى إسرائيل ودون مواراة فالمجتمع داخل دولة الكيان مجتمع يمينى فى غالبيته لكنه يتأرجح بين التطرف الشديد والتطرف الأقل حدة، والدليل ان معظم الحكومات الإسرائيلية التى تعكس نتائج الانتخابات جاءت لصالح اليمين، وهنا أرى أن الرهان على تغيير كبير فى المزاج العام الإسرائيلى بعد إزاحة نتنياهو – التى استبعدها فى القريب العاجل – غير ممكنة وقياس خاطئ وفقاً لنسب التصويت الجماهيرى فى آخر عشر سنوات، على الجانب الأمريكى فقد احدثت تظاهرات الجامعات الأمريكية شرخاً واضحاً فى جدار الثوابت والقيم الأمريكية وباتت مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان على المحك، هذا الجيل من الطلاب المتظاهرين سيكونون فى سدة الحكم خلال عقد من الزمان وهذا يمثل تحدياً جديداَ للداخل الأمريكي، وعلى الجانب الفلسطينى نجد ان صمود حماس كل هذه المدة دون هزيمة عسكرية حاسمة رغم كل هذا الدعم الدولى لإسرائيل جعلها ثابتا من ثوابت معادلات حل لأزمة، فلا سلام دون حماس ولا مقاومة أيضاً دون حماس، هذا المتغير يمثل خصماً من رصيد السلطة الفلسطينية التى وقفت عاجزة طوال الحرب عن حتى مجرد إصدار تصريحات سياسية ذات طابع شعبوي، لقد خسرت السلطة التى شاخت فى مقاعدها كل الأوراق ولم يعد لديها ما تلعب به على أى طاولة وعلى جميع المستويات، وعلى الجانب العربى فالوضع بات صراعاً بين فصيلين احدهما حنجورى ويطلق على نفسه جبهة الصمود والمواجهة ولا يملك أدوات تلك المواجهة وفصيل آخر يحاول ان يصل إلى تسوية شاملة لكن ليس لديه ضمانات واضحة لهذه التسوية، وسط كل هذا الزخم يبرز الدور المصرى الذى سطرة بحروف من ذهب «المفاوض المصري» والذى يعكس «مكانة الدولة المصرية» ونكمل غداً.