منذ أيام خرجت علينا الصحف بخبر غريب: شركة صينية «كايووا تكنولوجى» أعلنت عن روبوت بشرى الشكل مزوَّد برحمٍ صناعى قادر – كما يقولون – على احتضان جنين حتى الولادة.
الخبر انتشر كالنار فى الهشيم، وتلقفه الناس بين ذعرٍ وسخريةٍ وإعجاب، البعض قال: إنها بداية نهاية المرأة، وآخرون: إنها بداية نهاية الإنسان.. أما العلماء، فابتسموا فى هدوء وأكدوا أن ما لدينا حتى الآن ليس أكثر من تجارب أولية على الحملان والأجنّة فى المختبرات، وأن اكتمال حملٍ بشريّ خارج الرحم ما زال بعيدًا.
إنه مشهد مدهش حقًا أن نرى «رحمًا من حديد» يحاول أن يُقلد الرحم الحيّ، لكن الفارق كبير، فالرحم البشرى ليس مجرد كيسٍ مائي… إنه عالم من المشاعر، من الهرمونات، من الأصداء والأنفاس والنبضات.
والإنسان لا يصنع إنسانًا بآلة، بل بالحبّ، بالدفء، وبالمســئولية، ولو فقــدنا ذلك، فلن تكــون نهاية المرأة ولا نهاية العلم.. بل ستكون نهاية الإنسان نفسه.
لكن سواء كان وعدًا حقيقيًا أو مبالغة فالخبر كافٍ لأن يفتح أبواب الأسئلة الكبرى: ما الإنسان؟ وما الأمومة؟ وما معنى أن نخرج الحياة من رحمٍ من معدن وزجاج؟
لقد نجح العلماء من قبل فى تربية حملان صغيرة داخل أكياس شفافة مليئة بسائل يحاكى ماء الرحم، ونجحوا أيضًا فى دفع خلايا جذعية لتكوين «أجنة فئران» صغيرة بلا بويضة ولا رحم.
كلها محاولات عديدة للقيام بدور الإله فى خلق بيئة لصنع إنسان، أو لفهم المراحل المبكرة للحياة، ولكنهم إذا كان هذا مقصدهم فهيهات أن يفلحوا فى ذلك، وإلا فأن الله حذرهم فى قوله تعالى:»… حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس…» سورة يونس.
لكن أن يتحول هذا كله إلى حمل كامل لإنسان داخل روبوت… فذلك لايزال فى حكم الخيال الذى يلبس ثوب العلم.
قد يبدو هذا الاختراع خلاصًا لأممٍ تخشى انخفاض الخصوبة، لكنه أيضًا قد يكون طريقًا إلى سوقٍ للمواليد تُباع فيه الأرحام كما تُباع الأجهزة.
وقد يفتح الباب لتفكك الروابط العاطفية: فلا نبض أم، ولا همس أب، ولا دفء أسرة، بل جهاز يقيس الحرارة والضغط ويراقب عبر شاشات.
والسؤال: هل يكفى العلم ليمنحنا إنسانًا؟ أم أن الإنسان يحتاج إلى رحمٍ آخر… رحم الحنان؟
الناس سارعوا يقولون: «انتهت المرأة.. انتهى الإنسان.. واقتربت الساعة».
لكن الحقيقة أن العالم لا ينتهى بتقنية، العالم ينتهى حين يفرغ من المعنى، فالآلة لا تلد.. الذى يلد هو العقل حين يثمر رحمة.
وما قيمة طفلٍ يخرج من بطن روبوت إن خرج بلا قلب يسمع، وبلا يدٍ تحتضن، وبلا أمٍّ تدمع؟.