يعرف المرء من تصرفه ولسانه، فيبرز الفرق بين المتزن والأهوج والأحمق والغبى، الفرق بين الأحمق والغبى كبير، رغم أن البعض يخلط بينهما ويظنهما شيئًا واحدًا، لكن فى الحقيقة لكل منهما طبيعة مختلفة تمامًا عن الآخر. الغبى قد يكون شخصًا طيب النية، لكنه لا يمتلك سرعة الفهم أو القدرة على الاستيعاب مثل غيره. ربما يستغرق وقتًا أطول لفهم الأمور أو يعانى من ضعف فى التحليل، لكنه لا يسبب أذى للآخرين. أما الأحمق، فهو حالة مختلفة تمامًا. الأحمق يتصرف بثقة مفرطة فى أمور لا يفهمها، ويتدخل فيما لا يعنيه، ويتحدث كثيرًا دون وعى أو دراية بما يقول. يورط نفسه فى مواقف سيئة، وقد يضر من حوله بسبب تهوره وعدم تفكيره، وهو فى الغالب لا يسمع النصيحة ولا يرى عيوبه. الغبى قد يتغير بالتعليم والتدريب، لأنه عادة يشعر بضعفه ويخجل من الخطأ. أما الأحمق، فلا يتغير لأنه لا يعترف أصلًا بوجود خطأ. الغبى أحيانًا يكون محبًا للخير، ولديه مشاعر صادقة، ولهذا يغفر له الناس أخطاءه. أما الأحمق، فكثيرًا ما يكون لسانه سليطًا، وتصرفاته جارحة، مما يجعل الناس تنفر منه سريعًا. الأحمق يسعى للظهور، ويتكلم كثيرًا فى المجالس، حتى إن كان لا يفقه شيئًا فيما يُقال. يتكلم بثقة، ويتخذ قرارات متسرعة، ونادرًا ما يشعر بالندم، لأنه لا يعترف بخطأ. أما الغبى، فيندم على الخطأ، ويحاول التعلم منه حتى وإن تأخر. الغبى قد يرهق المحيطين به فى البداية، لكن يمكن توجيهه وتكرار الشرح له حتى يؤدى ما عليه. أما الأحمق، فقد يتسبب فى كوارث بسبب قرارات خاطئة يتخذها بثقة، فى العلاقات الإنسانية، الغبى قد يغفل عن بعض الأمور، لكنه لا يؤذى أحدًا بقصد. أما الأحمق، فيمكن أن يدمر علاقات مهمة بكلمة غير محسوبة أو تصرف غير لائق، الغباء ليس عيبًا، أما الحمق، فهو مشكلة حقيقية، لأنه نابع من جهل مغلف بالغرور. والأحمق، لا يأتى من جهله فقط، بل من ثقته الزائدة بنفسه، ومن تمسكه برأيه مهما كان خاطئًا. يتكلم كثيرًا، ولا يستمع لأحد، ويتصرف وكأنه يملك الحقيقة كاملة. لا يعترف بخطأ، ولا يتراجع عن قرار، لا يتوقف عند حد، ولا يعرف التراجع، ويخوض المعارك فى غير وقتها ولا مكانها. أما الغبى يتحسن، لأن فيه قابلية للتعلم. يمكن أن يتطور، ويصبح أكثر وعيًا وفهمًا. الغبى قد يصمت لأنه لا يعرف، أما الأحمق فلا يصمت أبدًا، يحب أن يفرض رأيه، ويستعرض أفكاره، ويستخف بآراء الآخرين، ظنًا منه أنه الأذكى والأفهم. الحياة بجانب الغبى قد تكون مرهقة أحيانًا، لكنها قابلة للتعايش. أما الحياة بجوار الأحمق فهى مليئة بالتوتر والقلق، لأن تصرفاته غير متوقعة، وحديثه مزعج. الغباء ليس شرًا فى حد ذاته، هو ضعف فى الفهم أو البطء فى التحليل، لكنه لا يحمل نية سيئة، أما الأحمق، فهو أكثر خطورة، لا لضعف قدرته على الفهم بل لأنه يتصرف وكأنه يملك الحكم“ة كلها. يتكلم بثقة، وينصح بلا علم، ويحكم على الأمور بسطحية. لا يصمت حين يلزم الصمت، ولا يتراجع حتى بعد أن تتضح له الحقيقة. فى بيئة العمل، الغبى ربما يحتاج دعمًا وتكرارًا للشرح، لكنه يؤدى مهامه مع الوقت. أما الأحمق، فقد يفسد نظامًا كاملًا بسبب قرارات طائشة، أو مواقف عنيدة، ويُربك من حوله بإصراره على الخطأ. الفرق بين الأحمق والغبى لا يكمن فى القدرة العقلية فقط، بل فى الوعى. الغبى يعرف أنه لا يعرف، أما الأحمق فيظن أنه يعرف كل شىء. قيمة الإنسان، ليس بكثرة معلوماته ولا بسرعة بديهته فقط، بل بقدرته على الوعى، والتواضع، ومراجعة النفس. الغباء قد يكون ضعفًا طبيعيًا فى القدرات، يُقابل بالرحمة والتفهُّم، أما الحمق، فهو مرض فى السلوك قبل أن يكون قصورًا فى العقل. الأحمق دئما يعيش فى دائرة من الوهم الذاتى، يرى نفسه مركز الكون، ويظن أن رأيه هو الحقيقة المطلقة، وأن الآخرين على خطأ دائمًا. لا يستوعب أن التواضع جزء من الحكمة، وأن التراجع عن الخطأ ليس ضعفًا. الأحمق يعشق التصادم مع الناس، يخلق المشاكل بلسانه قبل أفعاله، ثم يقف متعجّبًا من نفور الجميع منه، غير مدرك أنه السبب الأوّل لكل ذلك. الأحمق دائما مغرور بالوهم، يملأ الفراغ بالكلام، يندفع بلا تروٍ، يجرح بلا قصد، ويقاطع بلا إدراك. كل موقف عنده فرصة للاستعراض، وكل حديث مساحة للسيطرة، وكل اختلاف سبب للعناد. لا يتعلم من الزمن، ولا يُعيد حساباته، قد يملك قدرًا لا بأس به من المعرفة، لكنه يفتقر إلى البصيرة، والتمييز، والهدوء الذى يصنع فارقًا بين الإنسان الناضج ومن يظن نفسه كذلك. وختاما أؤكد وقولا واحداً، إننا لا نخشى الغباء بقدر ما نخشى الحمق. لأن الغبى قد يتعثر ويقع، لكنه لا يسحب الآخرين معه. أما الأحمق، فحين يسقط، يُسقِط من حوله، ويترك وراءه فوضى يصعب ترتيبها. لهذا، تبقى الحكمة أرقى من الذكاء، والتواضع أعظم من المعرفة، والسكوت وقت الجهل أنبل من الحديث بثقة مزيّفة.
حفظ الله مصر
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم